ليس جديداً القول ان التلفزيون وسيلة بصرية، وهذه هي خصوصيتها الرئيسة، غير أن هذه الحقيقة لا تنفي حقيقة ثانية تتمثل في أن التلفزيون يعتمد كذلك على المنطوق، ويتوجه إلى حاسة السمع مثلما يتوجه إلى حاسة البصر، وإذا أغفلنا البعد البصري وركزنا على الجانب اللغوي، إذا صح التعبير، سنعثر على طرائف ومفارقات كوميدية محببة. لعل أولى هذه الطرائف آتية من الصين، وهي تظهر على شاشة القناة الصينية الناطقة بالعربية، فالصينيون يصرون على الاعتماد على الكفاءات الذاتية، وقد تصلح هذه الكفاءات في المجالات التقنية والفنية، لكن أن يصل الأمر إلى حد الاتكاء التام على مذيعين ومقدمي برامج صينيين يرطنون بالعربية، فإن ذلك يخلق لغة عربية جديدة ذات إيقاع صيني طريف. يصعب، عندئذ، فهم الجُمل، ولعل هذا هو دأب الصين، فهي تنتج كل شيء بمعزل عن الجودة، وإصرار أبناء العرق الأصفر على التحدث بالعربية أمر يستحق التقدير، لكن قراءة العربية «بعيون ضيقة» لا تحقق المطلوب. في السياق اللغوي ذاته، وبعد أن رأينا رموز هوليوود يتفوهون بالعربية الفصحى في الحواضر الأميركية المرفهة، وببلاغة يحسدهم عليها الممثلون العرب، جاء دور بوليوود لنرى المليودراما الهندية، بكل فصولها العجيبة، مقدمة بنكهة العامية الخليجية. وليس غريباً، والحال كذلك، أن نسمع آشواريا راي أو اميتاب بتشان أو شاروك خان وهم يبثون لواعج القلب إلى الحبيب الغائب، أو يصارعون العصابات بنبرة خليجية تجعل من الفيلم الهندي خليطاً كوميدياً يحتاج المشاهد، خلاله، إلى جهد كبير كي يربط بين الصوت والصورة. أما في الحديث عن الأداء اللغوي لبعض الفضائيات العربية، فيختلط الأمر، كذلك، على المشاهد، إذ يجتهد لفهم معنى ما يسمعه لكن من دون جدوى، ونقصد هنا، تحديداً، تلك المذيعات، من ذوات «الغنج والدلال» اللواتي استثقلن لغة الضاد، ورحن يستجدين مفردات من لغات أخرى كالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية... والنتيجة هي لغة هجينة تنقلك من فضاء ثقافي الى آخر، وأنت تطارد المعنى وسط هذا الصخب اللغوي «الناعم» لكنك تخفق غالباً في الاهتداء إلى ما تضمره هذه «اللغة الثالثة» التي تنطبق عليها مقولة شكسبير «أسمع جعجعة، ولا أرى طحناً». لسنا، هنا، في صدد الدفاع عن جزالة اللغة العربية، و»تاريخها التليد»، بل أن الكثير من الأخطاء النحوية قد تكون مبررة وسط هذا اللهاث الفضائي، بيد أن الاستهانة باللغة على هذا النحو العشوائي تحيل الكثير من القنوات إلى مجرد أداة للثرثرة. والمشكلة أن الأمر لا يقتصر على «اللغة العربية المنتهكة»، فهذا الانتهاك المعلن يشوش الصورة، كذلك، لدرجة يغدو معها السكوت، حقاً، من ذهب.