تستعد القناة الثالثة الإيطالية لتعرض للمرة الأولى الشريط الكرتوني «جوفاني وباولو وظلّ محرّك الدمى» الذي أنجزته المخرجة الصقليّة روزالبا فيتيلارو وأنتجته مؤسسة «راي فيكشن» بالتعاون مع شركة «موسيكارتون» التي تديرها مخرجة أفلام التحريك سابرينا كاليباري. يتناول الفيلم مرحلة الطفولة في حياة بطلين إيطاليين وقفا في وجه مافيا كوزا نوسترا الصقلية وقضّا مهاجع عرابيها إلى درجة دفعت العصابة الإجرامية إلى استنباط أشكال مرعبة من عمليات الاغتيال تمثّلت في تفجيرين عنيفين أوديا بحياة القاضيين جوفاني فالكوني وزميله ورفيق طفولته باولو بورسيلّينو وعدد كبير من مرافقيهما في أيار (مايو) وتموز (يوليو) من عام 1992. وعلى رغم ما قدّمه هذان القاضيان في الكفاح ضد المافيا وإسهامهما في كشف أسرار القبة المافيوية الصقليّة وتفرّعاتها وصلاتها بالمافيات الأخرى، «ثمة مخاوف كبيرة وواقعية من أن ينسى الشباب هذين القاضيين»، كما تقول مديرة الإنتاج آليسّاندرا فيولا التي تضيف: «أطفال اليوم وشبيبتنا يجهلون حتى إسميهما، ناهيك بمعرفة ما عنى بالنسبة الينا القاضيان والضحايا الآخرون الذين سقطوا بيد قتلة المافيا. لذا كان هناك خطر في أن نفقد ذكرى هذه الشخصيات التي ضحّت بحياتها من أجل حريتنا. لذا اعتقدنا بأن فيلماً للتحريك كان مناسباً للتواصل مع الجيل الشاب والصغير لنروي لهم أهمية أن يكون لدينا أبطال إيجابيون». وعُرض الفيلم للصحافة ضمن الدورة ال 14 للمهرجان الدولي لأفلام التحريك الذي أختُتمت الأحد الماضي بمدينة رابالّو الشمالية الإيطالية. يقع الفيلم في 26 دقيقة ويستعرض حياة القاضيين خلال طفولتهما بمدينة باليرمو، ويعرض هذين الطفلين في أجلى صور المتعة الطفولية وكيفية التعرّف الأول على منبع الشر وخطوتهما الأولى في الدفاع عن الخير من خلال تحرير الدمى التي أغلق عليها «محرّك الدمى» الأبواب. لكن كيف تمكّن منجزو العمل من التوصّل إلى حلول تمنع تحوّل هذين البطلين الحقيقيين إلى مجرد صور متحرّكة على شاكلة الأبطال الخياليين الآخرين؟ تقول آليسّاندرا فيولا: «الوقاية الحقيقية التي توصّلنا إليها للحيلولة دون وقوع ما تشير إليه، هو عدم رواية قصة القاضيين بشكل تعليمي بحت. لقد اخترنا طفلين يحملان اسمي جوفانّي وباولو، بالضبط مثل القاضيين نفسيهما. هذان الطفلان يعيشان في باليرمو في أعوام الخمسينات في الحي ذاته الذي عاشا فيه، لكنهما يعيشان قصة فانتازيّة خيالية. ليست القصة حياة القاضيين خلال سني الطفولة، بل رمز يفيد لأن نشرح للأطفال والنشء الجديد ما هي المافيا وكيف بالإمكان مكافحتها وفي النهاية الانتصار عليها حتى وإن لم يحدث هذا». إلى جانب شخصيتي الطفلين هناك الشخصية الشرّيرة المتمثّلة بمحرّك الدمى الذي يُمسك بخيوط اللعبة أو يقطعها متى ما شاء. وواجه منجزو الفيلم معضلة كبيرة في صوغ هذه الشخصية ذلك لأن لمحرّكي الدمى وللحكواتية في صقليّة تقاليد كبيرة ومحبوبة لدى الناس، وهم شخصيات إيجابية بشكل عام، فكيف واجهوا هذه المعضلة؟ تقول مخرجة العمل روزالبا فيتيلارو: «واجهنا ذلك من خلال استخدام الرمز. كنّا نعلم أننا نتعامل مع شخصية إيجابية في الذائقة الشعبية، وفي جزيرتنا شخصيات مهمة في هذا المضمار مثل عائلة كوتيكيو المشهورة والممثلة بالحكواتي الشهير ميمّو كوتيكيو. لكننا كنّا بحاجة إلى شخصية تُمسك بالخيوط وتحرّك الشخصيات على هواها ولمصلحتها. وهو ما يحدث بالفعل مع المافيا وتداخلها مع عالم السياسة والاقتصاد. لقد ضحّينا بشخصية إيجابية وحوّلناها إلى حاوٍ شرير. وبالفعل نحن نسمّيه في الفيلم بالحاوي. إنه يُمسك بالخيوط في قبضته، لكنه يستخدم أيضاً التعاويذ والسحر الأسود. للأسف كان لزاماً علينا أن نُضحّي بشخصية شاعرية مثل محرّك الدمى. لكننا لم نضحّ بالدمى، لأنها تتحرَّر في النهاية. بالضبط كما يتمكن الأطفال في النهاية من التحرر من القيود». وتفكّر المخرجة والمنتجتان الآن بمشاريع لها صلة بتاريخ صقليّة العربي، وتقول روزالبا فيتيلارو: «هذا التاريخ جزء من يومياتنا. يكفي أن تذهب إلى السوق الشعبية حتى تسمع النغم العربي في نداءات ودعوات الباعة وهم يروّجون لبضائعهم». وتضيف: «اللغة العربية جزء من نسيج تفكيرنا اليومي، وثمة أحياء في باليرمو تحمل شوارعها لوحات أسمائها باللغتين الإذيالية والعربية». أما المنتجة سابرينا كاليباري فتقول: «الحديث عن قصة عربية أو شخصية عربية بالنسبة الي بمثابة دعوة إلى العرس. إنها موضوعات قريبة من قلبي لأكثر من سبب، وأول هذه الأسباب هو أن أمي من أصول صقليّة تونسية».