يخشى عدد كبير من المثقفين الليبراليين في البصرة من عودة الجماعات والتيارات الاسلامية المتطرفة إلى المدينة، مستغلة ما افرزته الانتخابات البرلمانية من ثقل للتيار الصدري (40 مقعداً). وأشار صحافي يعمل في احدى وسائل الاعلام العربية فضل عدم الاشارة الى اسمه الى ان «واحدة من الصور التي تثير قلقنا ان هذه الجماعات التي سبق ان استغلت الوزن المحلي لمكتب الشهيد الصدر وعمليات جيش المهدي ضد القوات البريطانية قبل عام 2008، وراحت تعتدي على المواطنين وتضيق عليهم حرياتهم، نراها اليوم عادت الى الشارع وفتحت مقرات لها باسم المدارس الدينية». وتابع، وهو يتذكر كيف كان يكتب قصصه عما كان يدور في البصرة: «كنا نكتب باسماء مستعارة مرة، ومرة ندعي اننا ننقل الاحداث من مدن قريبة لتحاشي بطشها». المثقفون في البصرة يتداولون القصص ذاتها، ولا يجرؤون على ذكر اسمائهم. يقول احد الشعراء إن «اعادة فتح بعض المدارس الدينية او عودة قيادي سابق هنا وآخر هناك من هذه الجماعات الى حسينيات او مساجد يجعلنا نتأكد من عودتها إلى البصرة». ويكمل «نحن قلقون فعلاً من استغلال هؤلاء نتائج الانتخابات، وفوز الصدريين بهذا العدد الكبير من المقاعد ليعاودوا نشاطاتهم». مشاعر القلق تزداد سوءاً، عندما يلمس الاهالي سوء الخدمات، ففي جولة ل «الحياة» في اهم مركز تسويقي في البصرة واقدم اسواقها في منطقة الخضارة لاحظت أنها مملوءة بالقمامة وفضلات الخضر والمنتشرة في شارعها الرئيسي غير الصالح للسير بسبب الاضرار البالغة التي أصابت بالاسفلت. رسام تشكيلي تربى في كنف والده الشيوعي قال: «قبل ايام وعندما دعا الصدر الى تظاهرة ضد الاحتلال في النجف خرج العشرات من الحافلات تقل المئات من انصاره. كان عدد منهم يرددون شعارات وهتافات جلها تهديد ووعيد يطلقونها عند حواجز التفتيش. هذا نذير لا يبشر بخير». وقاد رئيس الوزراء نوري المالكي في شتاء عام 2008 حملة على «الخارجين عن القانون»، في اشارة الى مليشيا «جيش المهدي» ووقعت معارك ضارية هناك تضاربت الانباء عن تفاصيلها حينها واختلفت الآراء في كفاءة قادتها وانتهت بإقالة قائد الشرطة فيها اللواء الركن عبدالجليل خلف شويلي. وقال العميد السابق في الجيش احمد التميمي ان «عمليات صولة الفرسان لم تتحقق فيها كل عناصر وسياقات العمل العسكري في ظل ظروف العصيان والتمرد». وزاد ان «العمليات خلفت في البصرة عداوات وثارات في الجيش والشرطة. عدد كبير من أهاليها قاتلوا الميليشيات وآخرون جمعوا المعلومات وشيوخ عشائر قدموا تسهيلات. وجميع هؤلاء الان من دون حماية». اذاعي بصري علق على المخاوف من عودة المليشيات بالقول «لقد صدقنا ما قيل لنا بأنها لن تعود. هجوناها في قصائد كثيرة وتشفينا بها بعد صولة الفرسان. ولا ادري كيف سيكون رد فعلها ... انها لا تنسى ابداً». واستدرك «قبل عامين لم نصدق كلام احد قادة صولة الفرسان من ان عناصر الميليشيلت انسحبوا الى الاهوار مسلحين بما يوازي تسليح فرقتين عسكريتين. وقتها قلنا هذا هراء. لن يعودوا ابداً. لكننا الآن مجبرون على تصديق ما كان يشاع من ان خروجهم سالمين الى الهور كان صفقة». وكان اللواء الركن عبدالجليل خلف شويلي، قائد الشرطة السابق في البصرة توقع في مقابلة مع «الحياة» مطلع عام 2009 «عودة المليشيات وقال ان العشرات من فروا الى الاهوار ويمتلكون ترسانة من الاسلحة تكفي لتجهيز فرقتين عسكريتين». لكن الناطق باسم مقتدى الصدر الشيخ صلاح العبيدي بدد هذه المخاوف وقال ل «الحياة» ان «اي جهة لن تتمكن مجدداً من استغلال غطائنا وثقلنا السياسي والشعبي بالاعتداء على اي كان، منذ فترة وضعنا آلية عمل لجميع عناصر جيش المهدي في عموم البلاد، من شأنها طمأنة الناس إلى عدم اختلاط الاوراق في الشارع من جديد». وأوضح ان «الآلية تكرس الجهد الثقافي لابناء هذا الجيش الشريف في عموم العراق وتحدد الذين ينهضون بعمل المقاومة المسلح ضد المحتل، وحصر هذه المهمة بلواء اليوم الموعود على ان تكون ساحة عملياتهم خارج المدن وأن لا يتعرضوا إلى من يعمل مع الاحتلال». وأكد العبيدي تنامي عمليات التهريب في البصرة بعد انحسار دور «جيش المهدي» في مراقبة عمل مؤسسات الدولة بعد «صولة الفرسان» وقال: «اصبحت عمليات التهريب تدار من بغداد بكل انواعها بما فيها تهريب النفط والنساء». وأضاف: «خلال اكثر من عامين تضاعف عمل المهربين واستشرى اكثر من ذي قبل، ووصل حد الاستهانة بثروات البلاد وقد تجرأ احد موظفي الموانئ على بيع باخرة تحمل الاطنان من السكر ضمن عقود مفردات البطاقة التموينية (...) وفرغت الحمولة في بلد مجاور. أبلغني هذه الواقعة احد مسؤولي وزارة التجارة».