تشمل أعمال «مركز توثيق التراث الحضاري»، أبعاداً ربما بدت غير متّصلة مباشرة بالتراث، لكنها جزء أساسي منه، على غرار البيئة والآثار وغيرهما. ويعتبر الحفاظ على البيئة واستغلالها بصورة مستدامة هدفاً تسعى لتحقيقه الدول كافة. واقتداءً بذلك المسار، عملت مصر على إنشاء عدد كبير من المحميّات الطبيعيّة، شملت بعض المناطق الصحراوية المتميزة ك»البيضا» في صحراء مصر الغربية، أو مناطق جبليّة ك»الحنة» القريبة من القاهرة، أو شعاب المرجان كتلك التي يشتهر بها البحر الأحمر، أو بعض مناطق سيناء التي تضمّ حيوانات بريّة متنوّعة وغيرها. ونال ذلك التراث الطبيعي حظّه من التوثيق الإلكتروني، ضمن سياق «مشروع توثيق تراث مصر الطبيعي». ويستند ذلك المشروع على تجميع بيانات تفصيليّة عن النباتات والحيوانات والتكوينات الجيولوجية، والمحميّات الطبيعية، والموائل المتنوّعة، والمعالم الحضاريّة المميّزة وغيرها. وعبر تلك الجهود، تبلور نظام معلومات جغرافي للمحميّات الطبيعيّة المتحقّقة والمقترحة، إضافة إلى ما يشتمل عليه نطاقها من أنواع النباتات والحيوانات. وكذلك يتميّز ذلك النظام بأنّه صمّم بوصفه أداة للرصد والتقويم والإدارة، كما جرى وضعه في خدمة المهتمين والمعنيّين بحماية البيئة. السياحة وخرائطها تسهل ملاحظة أن التوثيق الرقمي يهدف للحفاظ على التراث. ومن المهم أيضاً تذكّر أنّ ذلك التوثيق يساهم أيضاً في تنمية السياحة وتنشيط حركتها، عبر وسائل مختلفة تشمل صنع خريطة رقميّة لمصر وآثارها باستخدام «نُظُم المعلومات الجغرافيّة» Geographic Information System (اختصاراً «جي آي أس» GIS)، ثم وضعها على شبكة الإنترنت. وتحتوي تلك الخريطة ثلاثة مستويات متباينة ومتكاملة. يتمثّل الأول في المستوى القومي الذي يعمل على صنع صيغ رقميّة تجسّد المواقع الأثرية في أنحاء مصر، إضافة إلى جمعها في خريطة إلكترونيّة موحّدة. ويؤدّي ذلك إلى ظهور موقع أثري على شكل نقطة، تصاحبها مجموعة من البيانات الأساسيّة عن ذلك الموقع، والقطع الأثريّة المرتبطة به، خصوصاً تلك الموجودة في المتحف المصري. ويتيح المستوي الثاني التعامل مع كل ما يجري اختياره من قِبَل الجمهور الإلكتروني. فعند اختيار موقع أثري كإهرامات الجيزة، تظهر خريطة تفصيليّة عنه، مصحوبة بمجموعة من البيانات التوضيحيّة عما يحتويه الموقع كأهرام «خوفو» و»خفرغ» و»منقرع»، و»أهرام الملكات» و»مقابر بناة الأهرامات» وتمثال «خوفو» وغيرها. ويقدّم المستوى الثالث عرضاً عبر مسقط أفقي لكل أثر يختاره جمهور الشبكة. ويبيّن تفاصيل ذلك الأثر كالحجرات التي يحتويها والمكوّنات المعماريّة التي تؤلّفه وغيرها. ويضاف إلى ذلك، إمكان عرض تفاصيل جدران ذلك الأثر من رسوم ونصوص، على شاكلة ما تحتويه المقابر الفرعونيّة من نصوص تتحدّث عن مشاهدات من الحياة اليومية. وكذلك تعرض الخريطة قراءة لتلك النصوص، فيغدو باستطاعة متصفح الخريطة الحصول على معلومات وافية عن تراث مصر الأثري.