اتجه الوضع في قرغيزستان الى تطورات جديدة بعد اعلان الرئيس المخلوع كرمان بيك باكاييف تمسكه بالسلطة، وقال إنه «الرئيس الشرعي للبلاد» في حين تأهبت الحكومة الموقتة لملاحقته قضائياً، على رغم إعلان بيلاروسيا أن باكاييف «يتمتع بحماية خاصة كضيف على البلاد». ميدانياً، لوحت الحكومة الموقتة باحتمال اتخاذ تدابير أكثر حزماً مع مثيري الشغب في مسعى لتثبيت سيطرتها على البلاد. واستمرت حال التوتر في محيط بشكيك بعد أيام من المواجهات بين سكان القرى المحيطة بالعاصمة ومجموعات سعت إلى السيطرة بالقوة على اراضيهم. وأعلنت الحكومة القرغيزية أمس، عزمها على «التعامل بقوة وحزم شديدين مع أي محاولة لزعزعة الموقف في البلاد» مؤكدة أنها تبسط سيطرتها على كل المناطق القرغيزية. ودخلت الأزمة القرغيزية منعطفاً جديداً أمس، بعد التصريح المفاجئ للرئيس المخلوع، واعتبر محللون روس أن باكاييف «يحاول إعادة الأزمة إلى نقطة البداية، بالإستفادة من الوضع الأمني المتدهور وأعمال العنف المستمرة» في بلاده. وكان باكاييف قال في أول تصريح علني بعد الإعلان عن لجوئه إلى بيلاروسيا انه ما زال يعتبر نفسه رئيساً شرعياً لقرغيزستان، ونفى معطيات الحكومة الموقتة عن توقيعه بيان إستقالة، وزاد: ما من قوة تستطيع إرغامي على ترك منصبي. وأضاف: لن تصبح قرغيزستان بلداً مستعمَراً تابعاً لدولة أخرى، بل ستستمر في إقامة دولتها الديموقراطية. وناشد باكاييف زعماء العالم عدم الاعتراف بالحكومة التي تولت السلطة في بشكيك. وسارعت الحكومة الموقتة إلى إصدار بيان نفت فيه صحة «إدعاءات باكاييف». وأوضحت أن «الدول العظمى» بمشاركة الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي وهيئة الأممالمتحدة، عملت على ترحيل باكاييف من البلاد، مشيراً إلى أن الأخير سلم ممثلين عن هذه الدول والمنظمات بيان استقالته من منصب الرئاسة. وأكدت الحكومة القرغيزية الجديدة نيتها ملاحقة باكاييف قضائياً، وقال مسؤول فيها إن بشكيك «تعتبر بيلاروسيا بلداً صديقاً وتدعوها للمحافظة على سلامة باكاييف حتى يتم تقديمه إلى المحاكمة». وشكك خبراء في احتمال موافقة مينسك على تسليم باكاييف، خصوصاً أن الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو اكد في رسالته السنوية إلى البرلمان أن «الرئيس القرغي``زي كرمان بك باكاييف يتواجد مع أسرته في مين ``سك بحماية دولتنا وحمايتي شخصياً». وأوحى لوكاشينكو بعدم اعترافه بالسلطات الجديدة في قرغيزستان، من خلال وصفه أكثر من مرة خلال إلقائه الخطاب باكاييف بأنه «الرئيس القرغيزي» و «ضيف البلاد» وأيضاً من خلال الانتقادات الحادة التي وجهها إلى مواق`ف روسيا وكازاخستان والولايات المتحدة عندما تحدث عن «لعبة يخوضها كل طرف لتحقيق أهداف خاصة». وفي إشارة غير مباشرة إلى الحدث القرغيزي قال لوكاشينكو إن بلاده «ستواجه بكل قوة أي محاولات من أي طرف لإثارة أو تشجيع ثورات ملونة عندنا»، وأوضح إن مينسك «لن تقبل أن تكون رهينة لأجندات أحد». ورد الكرملين على تصريحات لوكاشينكو بحدة. وأشار سيرغي بريخودكو مساعد الرئيس الروسي إلى ضرورة «عدم القلق من الثورات» ناصحاً «بإدارة شؤون البلاد في شكل حكيم لتجنب غضب الشعب». وأعلن بريخودكو أن موسكو «لا تعترف بباكاييف رئيساً لقرغيزستان. وكانت وسائل اعلام روسية أشارت في اليومين الماضيين إلى إتساع حال «عدم الرضى» عند بعض زعماء بلدان الرابطة المستقلة بسبب التطورات التي جرت في قرغيزستان، ذلك أن «الإنقلاب على الرئيس الشرعي حظي برعاية وتجشيع سريعين من واشنطنوموسكو وعواصم أخرى». وانعكست هذه الأجواء على لقاء الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف مع وسائل الإعلام الروسية في موسكو التي زارها أول من أمس، إذ نقل صحافيون أن كريموف «بدا قلقاً إزاء إطاحة الحكومة الشرعية في بشكيك» على رغم أنه أكد استبعاده «وقوع أحداث مماثلة في بلدان مجاورة». وخاطب الصحافيين الحاضرين: «من يكتب أن هذا الإحتمال وارد، يكون مخطئاً». في غضون ذلك شددت موسكو الحماية على المنشآت الروسية في قرغيزستان وخصوصاً حول قاعدة «كانت» العسكرية الروسية، من دون أن تتضح آلية تنفيذ تكليف رئاسي لوزارة الدفاع الروسية ب «حماية المواطنين الروس في قرغيزستان». وكان الرئيس ديمتري ميدفيديف أعلن مساء أول من أمس، أنه «كلف وزارة الدفاع العمل على حماية مواطنينا». ومعلوم أن المؤسسة العسكرية الروسية أرسلت إلى قرغيزستان بعد إطاحة السلطة وسيطرة حال فوضى في البلاد 150 مظلياً، ليصل حجم التواجد العسكري في قاعدة «كانت» إلى 550 عسكرياً روسياً. ورجح مصدر عسكري روسي أن ترسل موسكو تعزيزات إضافية إلى بشكيك خلال الفترة القريبة. واستبعد فاليري سيميريكوف نائب الأمين العام لمنظمة «الأمن الجماعي»، التي تضم في عضويتها عدداً من الجمهوريات السوفياتية السابقة بينها روسيا وكازاخستان وقرغيزستان، احتمال لجوء المنظمة إلى استعمال قوات الرد السريع التابعة لها للتعامل مع تطورات الوضع في قرغيزستان. وأشار إلى أن القيادة القرغيزية «لم تتقدم بأي طلب من هذا النوع».