يقوم وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو بزيارته الثانية لطهران خلال الشهرين الماضيين، لتقريب وجهات النظر بين الولاياتالمتحدةوايران، ليس حول تنفيذ صفقة تبادل الوقود النووي، بل من اجل ازالة نقاط الغموض التي تكتنف المواقف الاميركية والايرانية حيال ملفات عدة، في مقدمها الملف النووي الايراني. وكان داود اوغلو واضحاً بقوله خلال مؤتمره الصحافي مع نظيره الايراني منوشهر متقي أمس، انه يعمل من اجل ابلاغ واشنطنوطهران وجهة النظر التركية لتقريب المواقف، مشدداً في ذلك علي الخيارات السياسية والديبلوماسية لتسوية القضايا العالقة بين البلدين، من دون ان ينسى التذكير باستعداد تركيا للمساهمة في تنفيذ صفقة تبادل الوقود علي أراضيها، بوصفه أحد الخيارات المطروحة، علي رغم تأكيد الناطق باسم الخارجية الايرانية رامين مهمان برست ان خيار الاراضي الايرانية هو الوحيد المتوافر حالياً لتنفيذ الصفقة. وتفيد معلومات تركية بأن الرئيس الاميركي باراك اوباما طلب من الحكومة التركية أداء دور الوسيط مع طهران، بسبب علاقاتها الجيدة مع الايرانيين، من اجل إزالة القلق بين الجانبين وترتيب الأوضاع في شكل يمكّن الدولتين من الجلوس علي طاولة محادثات لمناقشة الملفات العالقة. هذا الطلب الأميركي لم ترفضه طهران، خصوصاً انها تعتقد ان الحكومة التركية الحالية تملك من المواقف التي يمكن الاعتماد عليها لأداء دور الوسيط، وهذا ما شجع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان على مناقشة هذا الموضوع في شكل مفصل مع اوباما خلال مشاركته في مؤتمر واشنطن للأمن النووي. كما قال داود اوغلو انه حمل التصورات الاميركية للمسؤولين الايرانيين، والتي دفعت متقي الي القول بامكان مناقشة جميع الخيارات المطروحة لتبادل الوقود، اذا كانت هناك رغبة صادقة في انجاز الصفقة، لافتاً الي ان تنفيذها يمكن ان يعزز الثقة بين الجانبين، وهذا ما تسعي اليه انقرة، علي ضوء الخبرة التي يمتلكها داود اوغلو والتي لا تتعلق بالوساطة بين طهرانوواشنطن، بل من اجل دورٍ تركي اكثر فاعلية واتزاناً في الشرق الاوسط، بعدما جربت الوساطة بين سورية واسرائيل، بما «يخدم المصالح التركية» علي حد تعبير داود اوغلو. ويبدو ان طهران تري أن أنقرة تملك عناصر القوة التي تستطيع ان تحقق الاهداف التي تتطلع إليها ايران، اضافة الي ان استراتيجية البلدين حيال القضايا الاقليمية والدولية تبدو متقاربة الي حد بعيد، خصوصاً في ما يتعلق بالدور الاقليمي لدول المنطقة والقضية الفلسطينية والتعاون المشترك في الملفات الاقليمية والدولية. واذا كانت الدول الاوروبية التي أجرت حواراً مع ايران خلال السنوات الماضية في شأن ملفها النووي، اصطدمت بتعنت واشنطن خلال الادارة الاميركية السابقة، والرغبات الاوروبية التي تتناقض في أحيان كثيرة مع تلك الايرانية، فإن الاجواء الحالية بالنسبة الى تركيا تبدو اكثر ملائمة لأداء دور الوسيط، في ظل وجود رغبة أميركية ودعوة وجهها أوباما للقيام بدور مماثل. وفي المقابل، تسعى تركيا التي تواجه عقبات متزايدة لانضمامها الى الاتحاد الأوروبي، الى فرض وجودها بوصفها لاعباً أساسياً على الساحة الدولية. وترى إيران في مسعى تركيا لعضوية الاتحاد، قوة للعالم الاسلامي، وهذا ما يشجع الاتراك لاتخاذ مواقف اكثر انسجاماً مع تطلعات طهران. وثمة اعتقاد بأن هامش نجاح الدور التركي يبدو كبيراً، علي خلفية موافقة الايرانيين والاميركيين عليه، لكن المشكلة تكمن في «الثقة» التي علي أنقرة تعزيزها لدي الجانبين، واذا نجحت تستطيع ان تتقدم خطوات اخري في تعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية الكثيرة بطهران.