ترخي الأنباء عن نقل صواريخ «سكود» طويلة المدى الى «حزب الله» (اللبناني) بظلها على مصادقة مجلس الشيوخ الأميركي على تعيين الرئيس أوباما روبرت إس فورد سفيراً بسورية. ولا ينظر المسؤولون الأميركيون بعين الاطمئنان الى نقل أسلحة دقيقة التصويب الى «حزب الله». فهم حسبوا أن انفتاح إدارة أوباما الديبلوماسي على النظام السوري قد يحمله على انتهاج سياسات معتدلة. ويضعف تسليح دمشق حليفها اللبناني صدقية سورية في عملية السلام مع اسرائيل. وليس تزويد سورية حلفاءها اللبنانيين بالسلاح أمراً جديداً. فطوال عقود، تدفقت الأسلحة من سورية الى لبنان. ولكن التقارير عن نقل سورية الى «حزب الله» أنظمة أسلحة متطورة تواترت في الأشهر الأخيرة. ففي تشرين الأول (أوكتوبر) 2009، نشرت «جاينز ديفانس ويكلي» مجلة الدفاع البريطانية، أخباراً عن إمداد «حزب الله» بصواريخ «أم – 600» ، وهو نسخة من الصاروخ الإيراني «فاتح 110». و على رغم أن أنظمة توجيهها بدائية، يسع الصواريخ هذه، حمل 500 كلغ من المتفجرات، وإصابة هدف يبعد 250 كلم. وفي مطلع الشهر الحالي، أبلغ الجنرال الإسرائيلي، يوسي بايداتز، لجنة الدفاع والشؤون الخارجية في الكنيست الإسرائيلية، أن دمشق زودت «حزب الله» بأنظمة «ايغلا – أس مان» الدفاعية المحمولة. والأسلحة هذه تحمل على الكتف، وفي وسعها اصابة طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، وإعطاب المروحيات وطائرات التجسس التي تحلق على علو منخفض. وإثر تعيين فورد سفيراً بسورية، سرت إشاعات في واشنطن عن نقل سورية صواريخ «سكود - دي» الى لبنان. ولم تحدد التقارير إذا كانت الصواريخ المنقولة الى لبنان روسية الصنع أم نسخة سورية عنها. والصواريخ السورية هي نسخ مطورة من نموذج «سكود» القديم وبدأت سورية انتاجها على نطاق واسع العام الماضي. وفي وسع الصواريخ هذه اصابة أهداف على بعد 700 كلم، وحمل رؤوس كيماوية وجرثومية. وقد تُطلق الصواريخ هذه من شمال لبنان، وتصيب مدناً اسرائيلية. وبعد اقل من أسبوع على زيارة ويليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، سورية، وهو أرفع مسؤول اميركي يزور دمشق منذ أكثر من 5 أعوام، استقبل الرئيس السوري أحمدي نجاد، الرئيس الإيراني، وأمين عام «حزب الله»، حسن نصرالله. ويبدو أن عملية نقل الصواريخ الأخيرة الى «حزب الله» هي حلقة في مسلسل السياسة السورية المقنّعة. ويرى بعض المراقبين أن الباعث على نقل الصواريخ حسبان دمشق أن ضربات اسرائيلية قد توجه الى الأراضي السورية في الحرب المقبلة مع اسرائيل. ويرى بعض آخر أن عملية نقل الصواريخ هي تكتيك سوري غريب يرمي الى حمل واشنطن على الزام اسرائيل العودة الى طاولة المفاوضات. وجليّ أن التكتيك هذا لم يبلغ هدفه المرجو. وفي محاولة لتوضيح الأمور، زار وفد من الكونغرس الأميركي والسناتور جون كيري دمشق. وحاول هؤلاء بحث المسألة مباشرة مع الرئيس السوري. ولم تُذع أسرار اللقاءات هذه. وقيل ان الولاياتالمتحدة أبلغت رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، شكواها من عملية نقل الصواريخ. ولا فائدة تُرتجى من الخطوة هذه. فالسلطات اللبنانية لا تحكم قبضتها على الحدود اللبنانية - السورية. وتحسب بعض الأوساط بواشنطن أن عملية تزويد «حزب الله» بالصواريخ هي ثمرة سياسات الانفتاح غير المدروسة على دمشق التي بادرت اليها فرنسا وبعض الدول الخليجية، الى الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة أخيراً. فالانفتاح هذا بعث شعوراً سورياً «بالنصر». وحمل «النصر» دمشق على التهور، والتخلي عن السياسات الحذرة. ويرى هؤلاء المراقبون أن ارسال سفير أميركي الى سورية في مثل هذه الظروف خطوة قد يساء فهمها، وتعزز نهج السياسات الملتوية. ويخالف هذا الرأي مؤيدو الانفتاح على دمشق، ويرون أن شأن مباشرة السفير الأميركي عمله في دمشق تحسين التواصل مع النظام السوري، وتفادي أزمة. فسياسة عزل سورية رفعت مكانة السفير السوري، عماد مصطفى. وهو مفاوض غير متعاون. وعودة السفير الأميركي الى دمشق قد تفتح قنوات ديبلوماسية تتجاوز مصطفى، وتسهم في تفادي نزاع، في وقت يتعاظم التوتر الإسرائيلي - السوري. وقدرة الديبلوماسية الأميركية على تذليل الأزمة هذه هي رهن تحديد موقع صواريخ «سكود». فالتقارير الإسرائيلية والأميركية ذكرت أن الصواريخ هذه عبرت الحدود، ولكنها لم تحدد عدد الصواريخ التي أصبحت في جعبة «حزب الله» وتلك التي بقيت على الأراضي السورية. ويتخوف ديبلوماسيون في واشنطن من ان يؤدي اندلاع نزاع في المنطقة الى تشتيت انتباه الديبلوماسية الأميركية عن المشروع الإيراني النووي. وقد لا يطول الهدوء في المنطقة إذا اكتشفت اسرائيل موقع الصواريخ في لبنان. فهي، على ما يرى محللون، قد تبادر الى تدمير ترسانة الصواريخ، وتوجيه ضربة الى ايران من غير أن تكون تحت مرمى صواريخ حلفاء طهران في لبنان. * باحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، عن موقع «فورين بوليسي» الأميركي، 14/4/2010، إعداد منال نحاس