رأى مراقبون إسرائيليون أن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو بأنه لا ينبغي على إسرائيل أن تثق بالغرباء، موجهة إلى آذان الرئيس باراك اوباما على خلفية مطالبته الدولة العبرية بوقف نشاطها الاستيطاني في القدسالمحتلة وبالقيام ببادرات حسن نية تجاه الفلسطينيين. وكان نتانياهو افتتح جلسة الحكومة الأسبوعية أمس باقتباسات من أقوال لمؤسس الحركة الصهيونية وصاحب فكرة «دولة لليهود» بنيامين هرتسل مطلع القرن الماضي دعا فيها اليهود إلى عدم الثقة بمساعدة الغرباء. وجاءت هذه الأقوال عشية احتفال إسرائيل غداً، بحسب التقويم العبري، بسنوية قيامها عام 1948. وقال نتانياهو في تصريحات موجزة لممثلي وسائل الإعلام: «في 11 حزيران (يونيو) عام 1901، اختار هرتسل قول شيء أسَرَني: لا تثقوا بمساعدة الغرباء ... لا تثقوا بالكرماء ولا تتوقعوا أن تلين الأحجار ... لأن الغرباء يمنحون صدقات مهينة والحجارة لا تلين. على الشعب الذي يريد أن يكون منتصب القامة أن يضع ثقته بنفسه فقط». وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق آرييل شارون ردد الاقتباس ذاته قبل ستة أعوام في ذكرى مرور مئة عام على وفاة هرتسل. وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في موقعها على شبكة الانترنت إلى أنه على رغم أن أقوال نتانياهو جاءت لمناسبة إحياء إسرائيل ذكرى قتلاها في الحروب و «العمليات العدائية»، ولم تتطرق مباشرة إلى العلاقات مع الولاياتالمتحدة، «إلا أن قولها في هذه الأيام التي يتواصل ضغط إدارة الرئيس الأميركي على الحكومة الإسرائيلية لا يمكن إخراجها من هذا السياق». وتابع نتانياهو أن «يوم الاستقلال ال 62 يحل في أوج إنجازات إسرائيل، وبعد 150 عاماً على ميلاد هرتسل، الرجل الذي بدأ نشاطه في سن 36 سنة، وأنهاه بعد ثماني سنوات غيّر خلالها تاريخ (شعب) إسرائيل وتاريخ الإنسانية ... أخذ شعباً مشتتاً وجمعه، وتنبأ بالشر في اوروبا (النازية)، وأشار في كتاباته عشرات المرات إلى الكارثة (هولوكوست)». وتابع نتانياهو أن «ثمة أهمية لأن يعرف كل ولد وبنت تاريخ من تنبأ بقيام الدولة. هذه الشخصية النادرة تشبه بنظري أحد أنبياء إسرائيل القدماء. من دونه ما كانت الدولة، وما كنا نجلس حول هذه الطاولة». الاستيطان وسبقت جلسة الحكومة تصريحات لعدد من الوزراء تناولت الجمود السياسي مع الفلسطينيين، اذ هدد وزير المال القريب من رئيس الحكومة يوفال شتاينتس بأن اسرائيل «ربما تعيد النظر» في قرار تعليق البناء في مستوطنات الضفة الغربية (لعشرة اشهر) في حال لم يستأنف الفلسطينيون مفاوضات السلام. وقال في تصريحات لوسائل الإعلام إنه «في حال لم يعد الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات في غضون شهر او اثنين، ربما نتجه نحو إلغاء او إعادة النظر في قرار تجميد البناء في مستوطنات الضفة». وتابع: «عندما يتخذ قرار ولا يسري مفعوله أو يسري مفعول عكسي له، يجب إعادة النظر فيه». وتابع ان رئيس حكومته قام بثلاث مبادرات مهمة تجاه الفلسطينيين، الأولى قبوله فكرة قيام دولة فلسطينية، ثم موافقته على تجميد الاستيطان بصورة موقتة، وأخيراً تعزيز المبادرات لتشجيع «السلام الاقتصادي». من جانبه، قال وزير الدفاع ايهود باراك إن إسرائيل تخوض منذ إقامتها عام 1948 وحتى يومنا هذا حرباً وجودية»، مضيفاً أنه «أيضاً بعد 62 سنة، يتطلب من إسرائيل أن تحارب لتدافع عن أمنها وتعزز قوتها ... نحن ملتزمون العمل من أجل أمن الدولة بلا مساومات، وفي المقابل أن نبدي الجرأة المطلوبة والذكاء السياسي في نضالنا من أجل تحقيق السلام المنشود في إطار تسوية إقليمية شاملة بروح خريطة الطريق ودولتين للشعبين». واعتبر هذه التسوية «حيوية للأمن القومي لإسرائيل، وهي فقط التي يمكن أن تؤمن غالبية يهودية متينة لأجيال في حدود واضحة ووضع حد للنزاع والمطالب». وزاد: «التحديات والفرص تتطلب منا اتخاذ قرارات حاسمة كبيرة وشجاعة ... لذلك علينا التعاون مع المجتمع الدولي وأساساً التعاون الوثيق مع الولاياتالمتحدة». وأضاف أن من واجب المستوى السياسي في إسرائيل أن يتحرك من منطلق المسؤولية، «وإذا استوجب الأمر رص الصفوف والتوصل إلى توافق قومي واسع، علينا أن ندرس سبل تحقيق ذلك من أجل مواصلة ازدهار المشروع الصهيوني، ومن أجل ضمان أن نعيش هنا حياة تبرر تضحية من سقطوا في المعارك وأمانيهم». المعركة الاعلامية مع واشنطن إلى ذلك، واصل نتانياهو معركته الإعلامية مع الإدارة الأميركية. وبعد يومين على قيام الرجل الثري اليهودي الأميركي رون لاودر بنشر إعلانات كبيرة في صحف أميركية وجه فيها نداء إلى اوباما بالكف عن الضغط على إسرائيل، أقنع نتانياهو صديقه الكاتب اليهودي الحائز جائزة «نوبل» ايلي فيزل بالعمل لدى أوباما لتخفيف ضغوطه على إسرائيل. ونشر فيزل مقالاً مدفوع الثمن في أربع من كبريات الصحف الأميركية، لم يوجهه مباشرة إلى الرئيس الأميركي إنما إلى الرأي العام الأميركي، دعا فيه إلى إرجاء المفاوضات في شأن القدس «لأنه لا يمكن الآن مواجهة مثل هذه القضية المعقدة والحساسة». واستعرض الكاتب «مكانة القدس التاريخية في الثقافة اليهودية» وأنه «للمرة الاولى في تاريخ المدينة يمكن لليهود والمسلمين والمسيحيين الصلاة بحرية في معابدهم والبناء حيث يشاؤون»، داعياً إلى تمكين الإسرائيليين والفلسطينيين من أن يجدوا بأنفسهم «سبل العيش معاً في أجواء آمنة». وبعثت رئيسة منظمة «أميركيون من أجل سلام الآن» برسالة جوابية إلى فيزل قالت فيها إن «القدس ليست رمزاً يهودياً إنما هي مدينة مقدسة لبلايين المسيحيين والمسلمين في العالم ... هي عاصمة إسرائيل لكنها محور مركزي للطموحات الوطنية للفلسطينيين، هي بيت ل 400 ألف يهودي، لكنها أيضاً بيت لمئتي ألف فلسطيني». وأكدت أنه من دون حل قضية القدس، لن يتحقق حل الدولتين للشعبين، و «عليك أن تسلّم بواقع أن استمرار الوضع القائم معناه القتل والهدم». من جهته أيضاً، نشر الرئيس السابق لحركة «ميرتس» اليسارية يوسي سريد مقالاً في «هآرتس» رد فيه على مقال فيزل، مشيراً إلى أنه مملوء بالمغالطات، وفي مقدمها الادعاء بأنه في وسع أبناء جميع الديانات البناء حيث يشاؤون في القدس. وكتب: «ليست هذه هي صورة الوضع الحقيقية ... ليس فقط ان العربي لا يستطيع البناء في كل مكان، بل عليه أن يشكر ربه إذا لم يقتلعوه من بيته، ولم يرموا به مع أولاده وبأثاث بيته إلى الشارع ... ربما تسربت لمسامعك قضية السكان العرب في الشيخ جراح القاطنين في حيهم منذ عام 1948... هناك يهود متطرفون مصرّون على أن يكونوا عظْمة في حلق الأحياء العربية الأخرى بهدف تهويدها وتطهيرها، ويقومون بذلك بمساعدة أغنياء يهود من أميركا تعرف أنت شخصياً بعضاً منهم». وختم سريد مقاله داعياً إلى حل قضية القدس بدايةً «لأنها القضية الأكثر حساسية وتعقيداً»، وقال إنه ينبغي الشد على يدي الرئيس الأميركي ومساعدته في تطبيق حل إعادة تقسيم القدس إلى عاصمتين، وإعطاء الأحياء اليهودية لليهود، والفلسطينية للفلسطينيين، وتسليم الحوض المقدس لوصاية دولية متفق عليها. إلى ذلك، أعلن جيش الاحتلال فرض الإغلاق الشامل على الضفة حتى فجر الأربعاء لمناسبة احتفال إسرائيل بالذكرى الثانية والستين لقيامها. ويحظر على الفلسطينيين دخول إسرائيل خلال هذه الأيام «إلا في الحالات الإنسانية الطارئة».