في الكلام الجميل الذي يقوله أغلب نجوم الغناء في العالم العربي عن المغنِّي حسين الجسمي ما يشير بوضوح تام الى أن هذا الفنان محطّ تقدير. سببان يقفان خلف هذا الموقف المشترك. الأول، هو أن حسين الجسمي صوتٌ رائع على مستويات عدِّة بما يُتيح لزملائه التحدث عنه «بطلاقة» من دون أي حرج، وأنواع أغانيه تغطي مساحة واسعة من اهتمام الجمهور العربي في أغلب البلدان العربية، وهذا عنصر إضافي في تثبيت «الطلاقة» المذكورة .. السبب الثاني، هو أن حسين الجسمي «دافىء اللسان» كما يقول المثل العربي، فلا مشاكل بينه وبين زملائه لا في الخليج ولا خارجه إلاّ بقدرٍ قليل ونادر هذا إذا وُجِد، ولا تصريحات «إرهابية» يدلي بها كما يفعل أغلب نجوم الغناء المُنتمين الى جيله ضد بعضهم بعضاً، ولا خفايا فضائحية في حياته كتلك التي يعيشها زملاؤه أو بعضهم، أو كتلك التي يُسرّبها أولئك الى الإعلام من أجل إثارة إعلام و .. إعلان. مسيرة حياة الجسمي تدلّ على أنه «ابن بيت» بالمعنى الفعلي للكلمة لا بالمعنى المجازي. البيت الذي يخرج منه الشاب الى الحياة ممتلئاً بقيم راسخة وثابتة، ثم «البيت الآخر» الذي هو الفنّ الحريص على بقاء صورته زاهية ومُشرقة، ثم السلوك الشخصي الذي يتوّج ما تقدم. فالموهبة وحدها لا تكفي بالنسبة الى الجسمي. ينبغي أن تتوافر حولها صفات ضرورية تعطيها أبعادها الاجتماعية الى جانب الفنية، وهذا ما نتحدث عنه. وإذا كانت إمكانات صوت الجسمي القوية والزاهرة معروفة، فإن من الضرورة بمكان الالتفات الى قدرته الفائقة على التغلّب على بعض المقابلات الإعلامية وبعض الإعلاميين والإعلاميات الذين يحاولون أحياناً استدراجه إلى تصريح نافر أو الى رأي هجومي أو الى موقف عدائي عبر تذكيره بتصريحات وآراء ومواقف لآخرين تناولوه فيها، فإذا به يتجاوز كل ذلك بسهولة قاطعة هي .. تغيير الحديث أو الإجابة عن سؤال محدد بجواب آخر لا ينتظره مُستضِيفُهُ أو الى آخره من الطرق الذكية التي يبتعد فيها الجسمي عن «الشرّ».. من دون أن «يغنِّي» له، لأن الغناء للشرّ يفقده هويته الشخصية الهادئة عموماً.. والجسمي في المقابلات التلفزيونية لبِق وديبلوماسي لكن من دون أن يفتعل أي شيء. اللباقة عنده تدعوه إلى احترام الآخرين بعيداً من التكاذب.. والديبلوماسية تمكّنه من التهرب من الأسئلة التي يقصد بها الإيقاع به. وأجمل طرق التهرّب لدى الجسمي هي عندما يضع أمامه في المقابلة التلفزيونية «الكيبورد» ، وكلما وجّه إليه سؤال لا يُعجبه، عزف عليه وراح يُغني.. ولعلّ من أروع ما يفعل الجسمي خلال الغناء في المقابلات، أنه يذهب الى التراث يسحب منه بعض أجمل الأغاني الشهيرة الخالدة، ويؤدّيها.. على مزاجه. ذلك أن أداء الأغاني القديمة بالإحساس القديم ذاته أو بتقليد الأصل لا طعم جمالياً له. عندما يغنِّي الجسمي، وبعض الأصوات المتميزة الأخرى، غناءً قديماً بمزاجه الأدائي الخاص، فلا شك في ان الأغاني تتخذ طابعاً آخر يُحدث إحساساً جديداً في المستمع أيضاً. فالأُغنية القديمة التي تكرّست في ذاكرة الناس بصورة معينة تحمل عناصرها التكوينية الأولى، لا يستطيع إلاَّ المقتدرون أدائياً أن يرسموا لها عناصر جديدة. والجسمي من هؤلاء، وبصماته على بعض تلك الأغاني أكيدة.. على أنّ هناك ملاحظة ينبغي أن تقال بوضوح، أن التحول الذي أصاب الجسمي نتيجة خضوعه لحمية قاسية على مدى أشهر أدّى إلى نوع من فقدان اللون في وجهه. وإلى ترهُّل واضح بحيث قد يوحي الأمر بأن هناك وضعاً صحياً حرِجاً يُعاني منه، مع أن صحة الجسمي في عافية. إنّ هذا يتطلَّب اهتماماً من الجسمي من أجل معالجة «صورته» وإعادتها إلى طبيعتها. والصورة رفيقة الصوت في غناء اليوم.