لحظة تطأ قدما الطالب الوافد بلاد الاغتراب، يبدأ البحث عن أبناء بلده، فيجد بعض الوافدين ضالتهم في النوادي التي تُقِيمُها السفارات بالقرب من الجامعات وآخرون يستغرقون في البحث داخل الجامعة عن أبناء جنسيتهم علهم يخففون عنهم ثقل البعد عن الأهل. وبالنسبة للطالب المستجد فإن بحثه عن زملاء من بلده ليشاركهم المسكن وقاعات الدراسة أمر يستحق العناء، فهو بذلك يمسك بأول الخيط للدخول في شبكة علاقات اجتماعية يعتبرها سنداً له خلال فترة ابتعاده عن عائلته وأهله. وتصف الطالبة فضة العنزي، وهي سعودية الجنسية تدرس في جامعة العلوم والتكنولوجيا في الأردن، الأسابيع الأولى من حياة الطالب المغترب ب «المرحلة الانتقالية». وتعتقد أن النوادي الطالبية التي تؤسسها السفارة السعودية في الأردن هي بمثابة البيت الثاني للطالب، يرتاده ويجد العون من أبناء بلده الذين يأتون اليها بعد انتهاء دوامهم الجامعي وفي أوقات الفراغ وأيام العطل للمشاركة في النشاطات الجماعية. ولا يوجد داخل الجامعات الأردنية نوادٍ يُشكلها طلبة وافدون بحسب الجنسيات، بل هناك قسم يهتم بجميع الطلبة الوافدين على حد سواء، بحسب فضة التي تشير إلى أنه حتى سفارات بعض الدول الخليجية لا توفر لطلبتها نوادي خاصة فيعمد هؤلاء الى التعارف بين بعضهم بعضاً من خلال صحبة الجامعة. طلبة الكويت واليمن مثلاً لم توفر لهم سفاراتاهم نوادي ينتسبون اليها، إلا أن مكاتب رعاية الطلبة الوافدين في الجامعة تجمعهم في نشاطات ترفيهية وثقافية يمثلون فيها بلدانهم، فيما هم أنفسهم يجدون سبلاً عدة للتواصل فيما بينهم وترتيب الزيارات والاجتماعات في أماكن يختارونها بأنفسهم. فضة في السنة الأخيرة من الجامعة وهي مسؤولة عن الطالبات في النادي السعودي القائم في مدينة اربد الشمالية، وهو بناء أنشأته السفارة في إقليم الشمال، حيث يوجد ما يزيد عن الألف وخمسمئة طالب وطالبة سعوديين يدرسون في 3 جامعات. وتقول فضة ان عملها في النادي تطوعي، فهي تقدم المساعدة لبنات بلدها، تستقبل الجديدات منهن وتجمعهن في النادي، وهناك تُدار حلقات النقاش حول آلية تأقلمهن في مجتمع يختلف بعاداته وتقاليده عن المجتمع السعودي. وتتحدث فضة عن الصعوبات التي تواجهها الفتاة السعودية التي عاشت طيلة سنوات عمرها في كنف والديها وأصبحت في يوم وليلة مضطرة للاعتماد على نفسها. وتؤكد أن محور الأحاديث التي تتبادلها الطالبات في النادي تتصل بتوعيتهن بضرورة التعاطي مع المجتمع الأردني بحسب عاداته وتقاليده، وبأن تكسر الفتاة حاجز الخجل في تعاملها مع أبناء المجتمع المحيط بها. ولأنها تشعر بولائِها لبلدها وبنات جنسها فهي تتواصل معهن باستمرار، وتقدم لهن النصح وتجد نفسها سبّاقة في معالجة المشاكل والأزمات التي قد تكدر حياة بعضهن. ويؤكد الطالب مسفر الدوسري، وهو نائب رئيس النادي السعودي في اربد، أن السفارة تُميّز طلبتها من خلال إقامة نوادٍ لهم تسهل من خلالها انجاز المعاملات الطالبية ويتابعها أعضاء الهيئة الإدارية للنادي المكونة من 14 عضواً هم على تواصل دائم مع الملحقية السعودية لمتابعة شؤون الطلاب. وتنخرط النوادي الطالبية في المجتمع الجامعي من خلال أنشطة عدة تتصل بالمشاركة في معارض الجاليات ضمن الأيام الثقافية التي تنظمها الجامعات الأردنية، وفقاً لما يقوله علي الدوسري الذي يشير الى مشاركة النادي السنوية في المعارض للتعريف بالتراث السعودي وثقافته واستقطاب سعوديين لم يلتفتوا سابقاً لوجود النادي. ويشير إلى اجتماع الطلبة اليومي في النادي مع حلول ساعات المساء، والذي يجد مرتادوه أنفسهم في أجواء شبيهة بأجواء البيت السعودي ولمة أبناء البلد، ويتشاركون في أنشطة رياضية واحتفالات تحيي المناسبات الوطنية السعودية. عبدالعزيز المعمري، عُماني الجنسية ويدرس في الجامعة الأردنية وهو رئيس للنادي العماني الواقع خلف الجامعة، يقول ان النوادي التي تُنشئها الملحقيات الثقافية تخلق ترابطاً اجتماعياً بين أبناء الجنسية الواحدة، وهي تتبع في إدارتها للملحقيات الثقافية التابعة للسفارات. ويلفت إلى ان السفارات التي تمتلك موازنة مالية وافرة تولي اهتماماً بأبناء البلد بتأسيسها نوادي لهم في أكثر الجامعات التي يتواجدون فيها، ويشير الى أن عدد العُمانيين الملتزمين بالدراسة في الجامعات الأردنية والمنتفعين من أنشطة النادي يصل الى 1300 طالب وطالبة. وتخصص أيام محددة في الأسبوع للطالبات وأخرى للطلاب، يرتادون فيها النادي الذي يعتبرونه بمثابة «بيت العائلة» حيث يبدو الطابع العماني واضحاً في الديكور والتصميم الداخلي. ويقول المعمري ان الطالب يجد راحته في هذا البيت مع رفاق عُمانيين يتحلقون حوله فيفضفض لهم ويفصح عن مشاكله والمواقف التي تصادفه، ويتبادل الطلبة في جلساتهم الخبرات والنصائح. ويتابع النادي من خلال أعضاء هيئته الإدارية معالجة المشاكل التي تحصل مع الطلبة وبعضها ينتهي احياناً في أروقة المراكز الأمنية أو لدى الحاكم الإداري، فضلاً عن المساعدات المالية التي يقدمها لمن يقع في ضائقة مالية وظروف عائلية صعبة. الفريق الرياضي الذي شكله النادي العُماني يعد من الفرق الريادية على مستوى دول الخليج بحسب المعمري، ويشير إلى أن الأنشطة الرياضية تحظى باهتمام النادي الذي يضم صالات واسعة لمختلف الألعاب الرياضية.