«اعترافات جرَّاح... جني الخبرة»، كتاب صدر حديثاً عن «الدّار المصرية اللبنانية» في القاهرة، من تأليف البروفسور علي حلمي. يروي الكتاب السيرة الذاتية لواحد من أعلام الجراحة والطب في مصر. فقد تسابقت على البروفسور حلمي جامعات غربية عدّة ليعمل لديها، لكنه فضّل الاستقرار في المملكة العربية السعودية. وساهم بنبوغه في تطوير الطب في هذا البلد. وتخصّص حلمي في أمراض المسالك البولية والضعف الجنسي، وبلغ في هذا المجال ذروة ما يمكن أن يطمح إليه طبيب حتى نال أربع براءات اختراع من أميركا وأوروبا واليابان. إذاً، لا يروي الكتاب سيرة تقليدية، بل إنه أقرب لأن يكون دراسة لأوضاع التعليم والطب في العالم العربي، خصوصاً ان صاحبها امتلك من الوعي والإدراك سياسياً واجتماعياً، ما مكّنه من الفرار من الفخاخ الصغيرة التي توضع في طريق كل نابغة. وإذ اختلط الطب بالسياسة وصراع الإرادات، بعد حرب 1973، قرر مرغماً الهجرة من مصر إلى بلد قدَّر مواهبه وإمكاناته، ومنحه كل ما يريد من تجهيزات حتى بلغ ما هو عليه الآن. والحق ان حلمي أدرك مبكراً «أن هذا البلد (مصر) قد نخر سوس الروتين في عظامه، وأصبح مقبرة لكل المواهب، وتعوّد الكبير فيه امتصاص الصغير، يمتص جهده وأفكاره ثم يطمسه ويسحقه ويدفنه...». عاش علي حلمي حرب «أيلول الأسود» (1970) في الأردن طبيباً مبعوثاً من مصر. وحينها، أحسّ أن القتل مشاع بين الجميع، لا يعرف قاتل من يقتل، أو قتيل من قاتله، فأدرك أن المشكلة أكبر من أن تكون خصوصاً بقطر عربي بعينه، بل هي أزمة وطن يقتل ويأكل أبناءه ومواهبه. «اعتمد على نفسك في دنيا العرب» في هذا الكتاب، تسير رواية السيرة في بنية دائرية، من الناحية الفنية. وتتوزع على ثلاثين فصلاً، معنونة ب «جني الخبرة»، يكشف فيها علي حلمي عما يمكن أن يتعرض له الشباب المتعلم في بداية حياته العملية، خصوصاً إذا كان متفوقًا، في وسط يكره النجاح. فقد بدأت الرحلة من قرار الرحيل عن مصر. وبين اتخاذ القرار وتنفيذه، نعرف من أين يأتي الفساد وكيف يحارب الخاملون الناجحين، فتضعنا سيرة حلمي أمام رحلة طويلة، وتحدثنا عن حاله، وكأنها تخبرنا عن أحوالنا وأوضاعنا، وكيف أن الفساد كامن في أصل الشجرة. يقول علي حلمي ملخصاً فلسفته في الحياة: «إن أردت أن تصنع شيئاً في عالمنا العربي، المصنف عالمياً درجة ثالثة، فاعتمد على نفسك. ليس لأنك لن تجد من يساعدك، لكن تجنباً لمن يمكن أن يعطلك». والحق أن الرجل مُصَنّف عالمياً كأشهر طبيب مصري – سعودي في جراحة الضعف الجنسي، ومشكلات تشوّه الأعضاء التناسلية، كما أنه صاحب اختراعات كثيرة بهرت العالم. وفي كتابه، يرى أن المكان الحقيقي الذي يحبه هو أن يكون إلى جوار مريض يحتاج رعايته، وأن القيمة الحقيقية هي نجاحه في علاج مريض يحتاج كفاءته، خصوصاً ان شعاره دائماً: «المريض أبقى من المنصب». تدرّب علي حلمي (مواليد 1942) في مدينة بوسطن الأميركية على الجراحة الميكروسكوبية. ثم كرّس وقته وجهده وخبراته لحل مشكلة من أخطر المشاكل الطبية والاجتماعية، وقد كانت، حينها، مهملة عالمياً: الضعف الجنسي لدى الجنسين. وتفوّق حلمي في علاجها. وابتكر لذلك سبلاً غير مطروقة سُجلت باسمه عالمياً. كما أدخل جراحات التجميل المتصلة بتشوهات الأعضاء التناسلية، سواء الخلقية أو المستجدة، إلى الشرق الأوسط. وفي عام 1982، اكتشف أن منبهات الانتصاب التي تحقن موضعياً، لها عيوب جانبية على رغم أمانها. وفي عام 1987 اخترع جهازاً يزرع في الورك، عند أعلى الفخذ، لتحقن منه تلك المواد، وتسري منه إلى العضو من خلال قسطرة رفيعة ذات تصميم خاص وآمن، ما أدى إلى تلافي أضرار الحقن الموضعي. وفي عام 1989، شرع في سلسلة من العمليات الجراحية غير المسبوقة استغرقت ثمانية أشهر، بهدف بناء جهاز تناسلي بولي وذكري لامرأة تعاني حالاً تعرف باسم «التحوّل الجنسي». ووصل الى ذروة اختراعاته عندما ابتكر جهازاً تعويضياً يزرع في العضو الذكري للرجال عديمي القدرة على الانتصاب، لإحداث انتصاب كافٍ يدوم بحسب الرغبة، كما أنه يُزرع بسهولة.