أقرّ مجلس الوزراء السعودي برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في الرياض أمس، الموازنة العامة للسنة المالية 2016، وبلغت النفقات 840 بليون ريال والإيرادات 513.8 بليون، فيما توقعت عجزاً قيمته 326.2 بليون ريال (نحو 88 بليون دولار). وأعلن خادم الحرمين في كلمة ألقاها خلال اجتماع مجلس الوزراء، أن الموازنة «تأتي في ظل انخفاض أسعار البترول وتحديات اقتصادية ومالية إقليمية ودولية، إذ تراجع النمو الاقتصادي العالمي عن مستوياته السابقة، وغياب الاستقرار في بعض الدول المجاورة، ووجهنا المسؤولين بأخذ ذلك في الاعتبار، وأن تعطى الأولوية لاستكمال تنفيذ المشاريع المقرة في الموازنات السابقة والتي دخل كثير منها حيز التنفيذ»، مؤكداً أن طموحات المملكة كبيرة واقتصادها يملك من المقومات والإمكانات ما يمكنه من مواجهة التحديات». وقال: «وجهنا مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالعمل على إطلاق برنامج إصلاحات اقتصادية ومالية وهيكلية شاملة، وهذه الموازنة تمثل بداية برنامج عمل متكامل وشامل لبناء اقتصاد قوي قائم على أسس متينة، تتعدد فيه مصادر الدخل وتنمو من خلاله المدخرات وتكثر فرص العمل، وتقوي الشراكة بين القطاعين العام والخاص، مع مواصلة تنفيذ المشاريع التنموية والخدمية، وتطوير الخدمات الحكومية المختلفة، ورفع كفاءة الإنفاق العام، ومراجعة منظومة الدعم الحكومي، مع التدرج في التنفيذ لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد والحد من الهدر، مع مراعاة تقليل الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل، وتنافسية قطاع الأعمال». وشدد على المسؤولين عن إعداد الموازنة أن «يضعوا نصب أعينهم مواصلة العمل نحو التنمية الشاملة المتكاملة والمتوازنة في مناطق المملكة». وأضاف: «أكدنا على المسؤولين بتنفيذ مهماتهم وخدمة المواطن الذي هو محور اهتمامنا، ولن نقبل أي تهاون في ذلك. ووجهنا بالاستمرار في مراجعة أنظمة الأجهزة الرقابية بما يكفل تعزيز اختصاصاتها والارتقاء بأدائها لمهامها ومسؤولياتها، وبما يحفظ المال العام ويضمن محاسبة المقصرين». واعتبر أن «مسؤوليتنا جمعياً الحفاظ على ما تنعم به بلادنا من الأمن والاستقرار لمواصلة مسيرة النمو والتنمية». وكشف عرض قدمه وزير المال إبراهيم العساف عن الموازنة العامة للدولة، أن النتائج المالية للسنة المالية الحالية، أظهرت تحقيق إيرادات بقيمة 608 بلايين ريال بانخفاض 15 في المئة عن المتوقع لها في الموازنة، وتمثل الإيرادات البترولية 73 في المئة منها، والمتوقع أن تبلغ 444.5 بليون ريال بتراجع نسبته 23 في المئة عن تقديرات الموازنة». وأشار إلى أن الدولة «سعت إلى رفع الإيرادات غير البترولية فحققت زيادة ملحوظة هذه السنة، بالغة 163.5 بليون ريال مقارنة ب 126.8 بليون ريال عام 2014 أي بزيادة 36.7 بليون ريال نسبتها 29 في المئة». وبلغت النفقات الفعلية 975 بليون ريال لهذه السنة، مقارنة بتقديرات الموازنة البالغة 860 بليون ريال، بارتفاع 115 بليون ريال أي 13 في المئة، وبعجز متوقع قيمته 367 بليون ريال. وجاءت الزيادة في النفقات نتيجة صرف رواتب إضافية لموظفي الدولة السعوديين المدنيين والعسكريين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي والمتقاعدين والبالغة 88 بليون ريال، وتمثل 77 في المئة من هذه الزيادة، بناءً على الأوامر الملكية خلال العام المالي الحالي، إضافة إلى 20 بليون ريال قيمة ما صُرف على المشاريع الأمنية والعسكرية أي 17 في المئة من الزيادة، وصُرف ما تبقى وهو سبعة بلايين على مشاريع ونفقات أخرى. وتشمل النفقات 44 بليون ريال تقريباً للأعمال التنفيذية وتعويضات نزع ملكية العقارات لمشروعي توسعة المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، وليس مشاريع البرامج الإضافية التي تشمل الإسكان والنقل العام، والبنية التحتية المُمَوَّلَة من فائض إيرادات الموازنات السابقة، والمقدر أن يبلغ المُنفق عليها في نهاية هذه السنة 22 بليون ريال، والتي يتم الصرف عليها من الحسابات المخصصة لهذا الغرض في مؤسسة النقد العربي السعودي. وبلغ عدد عقود المشاريع التي أجازتها وزارة المال هذه السنة، بما فيها المشاريع الممولة من فوائض إيرادات الموازنات السابقة، نحو 2650 عقداً تبلغ كلفتها الإجمالية 118 بليون ريال. وحول موازنة العام المالي المقبل، قال وزير المال إن الإيرادات العامة «تقدر ب 513.8 بليون ريال، وحددت النفقات العامة ب 840 بليون ريال، وبعجز 326.2 بليون ريال». وأشار إلى «تمويل العجز وفق خطة تراعي أفضل خيارات التمويل المتاحة، ومن ذلك الاقتراض المحلي والخارجي وبما لا يؤثر سلباً في السيولة لدى القطاع المصرفي المحلي، لضمان نمو تمويل نشاط القطاع الخاص». وكشف عن «تأسيس مخصص لدعم الموازنة العامة بمبلغ 183 بليون ريال بسبب التقلبات الحادة في أسعار البترول في الفترة الأخيرة، لمواجهة النقص المحتمل في الإيرادات، ليمنح مزيداً من المرونة لإعادة توجيه الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي على المشاريع القائمة والجديدة، وفق الأولويات التنموية الوطنية ولمواجهة أي تطورات في متطلبات الإنفاق استناداً إلى الآليات والإجراءات التي نصت عليها المراسيم الملكية المنظمة لهذه الموازنة». وتوقع العساف أن «تواصل صناديق التنمية الحكومية (صندوق التنمية الصناعية السعودي، وصندوق التنمية الزراعية السعودي، وصندوق التنمية العقارية، وبنك التسليف والادخار) مهماتها في تمويل المشاريع التنموية المختلفة بما يزيد على 49.9 بليون ريال». وأشار إلى أن موازنة 2016 «اعتمدت في ظل الانخفاض الشديد في أسعار البترول، إذ تراجع متوسط هذه الأسعار بما يزيد على 45 في المئة هذه السنة عن عام 2014، وشهدت الأسعار في الأسابيع الأخيرة من هذا العام أدنى مستوياتها منذ 11 عاماً، كما يأتي اعتماد هذه الموازنة في ظل ظروف اقتصادية ومالية إقليمية ودولية تتسم بالتحدي، حيث تراجع النمو الاقتصادي العالمي عن مستوياته السابقة». وحول تطورات الاقتصاد الوطني، رجّح العساف أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهذا العام «2.450 تريليون ريال بالأسعار الجارية بانخفاض نسبته 13.35 في المئة مقارنة بعام 2014». ولم يستبعد أن «يحقق الناتج المحلي للقطاع غير النفطي بشقيه الحكومي والخاص نمواً نسبته 8.37 في المئة، إذ يُتوقع أن «ينمو القطاع الحكومي بنسبة 14.57 في المئة والقطاع الخاص بنسبة 5.83 في المئة، وأن ينخفض القطاع النفطي في قيمته بنسبة 42.78 في المئة بالأسعار الجارية». ومقارنة بالأسعار الثابتة لعام 2010 ، قدّر أن «يرتفع الناتج المحلي بنسبة 3.35 في المئة، وأن ينمو القطاع النفطي بنسبة 3.06 في المئة، والقطاع الحكومي بنسبة 3.34 في المئة والقطاع الخاص بنسبة 3.74 في المئة. وأكد أن كل النشاطات الاقتصادية المكونة للناتج المحلي للقطاع الخاص غير النفطي «حققت نمواً إيجابياً، إذ يُقدر بلوغ النمو الحقيقي في الاتصالات والنقل والتخزين ب6.10 في المئة، وفي البناء 5.60 في المئة، وتجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق 3.86 في المئة، والصناعات التحويلية غير النفطية 3.23 في المئة، وخدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال 2.55 في المئة». إلى ذلك أكدت وزارة المال في بيان الموازنة، «إعادة تسعير منظومة دعم المنتجات البترولية والمياه والكهرباء، ويراعى فيها التدرج في التنفيذ «بهدف تحقيق الكفاءة في استخدام الطاقة والحفاظ على الموارد الطبيعية ووقف الهدر والاستخدام غير الرشيد، وتقليص الآثار السلبية على المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل وتنافسية قطاع الأعمال». وأعلنت «التخطيط لعدد من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية تشمل تخصيص قطاعات، كما ستستكمل السعودية خطوات تطبيق ضريبة القيمة المضافة بالتنسيق مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، علاوة على توجه لزيادة الضرائب على المشروبات الغازية والسلع المضرة والتبغ».