لا تزال أسعار النفط دون المستوى الذي وضعته مجمل الموازنات العربية والغربية كأسعار متوقعة لبرميل النفط. وأثرت هذه التقلبات في الأسعار التي شهدتها الأسواق أخيراً على موازنات دول عدة، أبرزها الدول الخليجية التي بادرت إلى اطلاق مبادرات لتنويع اقتصاداتها بهدف محاربة الانخفاض في أسعار النفط وأثره على موازناتها. وإذا كان تراجع أسعار المحروقات سيؤثر بشكل سلبي على عدد من الدول العربية النفطية، فإن هناك دولاً عربية أخرى يمكن أن ينعش هذا التراجع اقتصادها، حتى لو كان ظرفياً بسبب تراجع حجم إنفاقها على استهلاك الطاقة. وقال خبير النفط الكويتي محمد الشطي، إن «التأثير على هذه الدول النفطية سيكون فقط في تراجع مُداخيلها التي تعتمد فيها بنسبة كبيرة على إيرادات النفط». وتابع: «أما الدول غير النفطية التي لديها تنوع في اقتصادها يمكن أن تسبب هذا الأنخفاض في أسعار المحروقات بالنسبة إليها، وسيساعدها في تحسين وضعها المالي». من جهته أوضح الخبير الإقتصادي والمالي الجزائري عبد الرحمن بن خالفة أن «الموازين الإقتصادية في الكثير من الدول العربية سينقلب بعضها نحو الإيجابي والأخر نحو السلبي». وأكد بن خالفة أن البلدان غير النفطية مثل مصر والأردن ولبنان «ستجني أرباحاً إضافية مستغلة انخفاض الأسعار». أما الصنف الثاني من البلدان فيتمثل في الدول المنتجة للمحروقات والتي تعتبر غير خاسرة ولكن أرباحها ستتراجع، الأمر الذي يؤثر على موازنتها، وهي في معظمها الدول الخليجية إضافة إلى العراق والجزائر وليبيا. وفي السياق نفسه، أشارت مجموعة «البنك الدولي» في تقرير نُشر على موقعها الرسمي في شأن الآفق الإقتصادية العالمية قالت فيه إن «البلدان النامية المستوردة للنفط يمكن أن تحقق مكاسب كبيرة من هذا الإنخفاض خاصة إذا شهد العالم ارتفاع النمو الإقتصادي». وقال مدير مجموعة «آفاق التنمية» في «البنك الدولي» أنه بالنسبة لصناع السياسات في البلدان النامية فإن إنخفاض أسعار النفط يتيح فرصة لإجراء إصلاحات لهيكلية وتمويل البرامج الإجتماعية وفي السياسة المالية العامة». ويأتي هذا مع توقع أن يستمر انخفاض أسعار النفط خلال العام الحالي. وسجلت «التجارة العالمية» نمواً بنسبة تقل عن 3.5 في المئة في العامين 2012 و 2013 وهي تقل كثيراً عن متوسط المعدل السنوي قبيل الأزمة والبالغ 7 في المئة، ما أدى إلى تقييد النمو الإقتصادي للبلدان النامية في الأعوام الاخيرة. وأعدت جمعية «مصارف لبنان» تقريراً عن التأثيرات الناجمة عن تراجع أسعار النفط في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا، إذ أعتبر هذا التراجع محفزاً قوياً للبلدان المستوردة للنفط بتحقيقها مكاسب استثنائية لا سيما في حال عودة النمو الإقتصادي. وفي ظل استمرار عاصفة تراجع أسعار النفط تبقى الدول العربية التي تعتمد اقتصادياتها بدرجة كبيرة على المحروقات، حسب الخبراء أمام خيارات ضئيلة، خصوصا في ظل عدم تمكنها من استغلال الراحة المالية التي جنتها جراء ارتفاع الأسعار طيلة السنوات الخمس الماضية.