تعيش السيدة اللبنانية شيرين المعلم حالاً من القلق «المؤلم» والأمل «المقلق». فتلك السيدة التي طلّقها زوجها، وهي في ريعان الشباب، تعلق قلبها بابنها الوحيد الذي تكاد مدة حضانتها له تشارف على الانتهاء مع بلوغ الصبي السابعة من عمره بعد أشهر قليلة. لكن هذه الأشهر المتبقية قد تحمل إليها مفاجأة تسرّها إذا أقرّ المجلس النيابي تعديلاً قانونياً لمدة الحضانة يعطيها بضع سنوات إضافية ترعى خلالها «ضناها» ولا يذهب إلى فراش زوجة أب لم يرها في حياته و «أسهمت بخراب بيتي»، كما تقول شيرين. منذ بلغ الصبي السادسة، بدأت هذه الأم تشعر بأن كل يوم تغرب فيه شمس يأخذ «مني يومين: يوم من عمري ويوم من مدة بقاء ابني في رعايتي. حتى أنني غدوت أكره مشهد غروب الشمس في محاذاة منزل أهلي، حيث أقيم مع ولدي منذ سنوات». لكن السيدة لمى وجدت في تلك الظلمة التي تغلف الأفق أمام عينيها بعد فقدانها متعة النظر إلى اللون اللازوردي ممتداً من السماء إلى سطح البحر، خيطاً أبيض يكاد ينبلج منه فجر جديد يوقع فيه ذاك القانون الذي سمعت به، كمئات سواها من الأمهات الحاضنات أطفالهن، خلال الأسبوعين الأخيرين، حين اندلع نقاش بين شبكة «حقوق الأسرة» برئاسة المحامية إقبال مراد دوغان وعضو لجنة الإدارة والعدل النيابية النائب سمير الجسر حول مسألة إقرار مشروع قانون لرفع سن الحضانة عند الأم الى 13 سنة للصبي و15 سنة للفتاة، كان أقرّه مجلس الوزراء بناء لاقتراح مجلس القضاء الشرعي. وعلى رغم النقاش الذي جرى على صفحات الصحف فإن الأمل بإقرار التعديل لا يزال قائماً و «قد ينجز قريباً»، بحسب ما أكد الجسر ل «الحياة»، إذ قال: «هناك مسودة جيدة قيد الدرس حالياً، بمشاركة مفتي الجمهورية اللبنانية، الشيخ محمد رشيد قباني، وقضاة شرع وممثلين لشبكة حقوق الأسرة، وقد توضع على جدول أعمال الجلسة المقبلة للجنة الإدارة العدل، حيث يمكن أن تناقش وتقر في جلستين، ثم تحال إلى الهيئة العامة للمجلس لإقرارها». لكن هذا التصريح الهادئ سبقه نقاش اتخذ طابع «معركة» بين الطرفين، وحاولت «الحياة» استطلاع الموقف بعدما هدأت رحاها، فاستمعت إلى الطرفين دوغان والجسر، ووجدت أن القاسم المشترك بينهما هو «الحفاظ على الأسرة». أما ما تسبب ب «التنافر» فهو التباس في رؤية كل منهما. ف «شبكة حقوق الأسرة» رأت في موافقة مجلس القضاء الشرعي على تبني الاقتراح ورفعه الى مجلس الوزراء الذي أقرّه وأحاله على المجلس النيابي «إنجازاً للمرأة لا يجب أن يوقفه أحد»، بينما رأى الجسر بصفته عضواً في اللجنة ووزيراً سابقاً للعدل ومحامياً، أن «الاقتراح يتضمن شوائب لا يمكن أن تصبح تشريعاً من دون النظر إلى أبعادها الإيجابية والتحوط من سوء استخدامها وبالتالي تعديلها». تروي دوغان ل «الحياة» مسيرة هذا التعديل التي بدأت قبل سنوات حتى بلغ المجلس النيابي، موضحة أن الشبكة تضم 5 جمعيات تعنى بحقوق المرأة والطفل. وقالت: «بعدما وجد إقرار قانون الزواج المدني في لبنان اعتراضاً من كل الجهات، سعينا إلى تعديل بعض الأمور بنداً بنداً فأطلقنا قبل نحو سنتين «حملة 13-15» لرفع سن حضانة الأطفال لدى أمهاتهم خصوصاً أن هناك مئات أو ربما آلاف الحالات التي نشهدها خلال عملنا. فبدأنا حواراً مع المسؤولين الروحيين من مفتين وقضاة ورجال دين من كل الطوائف والمذاهب اللبنانية التي تتولى هي الشؤون الدينية والأحوال الشخصية للبنانيين وفق 15 مذهباً موجودة في لبنان لكل منها محاكمها واجتهاداتها». وأضافت: «نتيجة للقاءات والدعم السياسي توصل مجلس القضاء الشرعي الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية إلى رفع الموافقة على اقتراح المادة 242 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري، والتي تنص على رفع سن الحضانة لدى الأم من 7 سنوات إلى 13 للصبي ومن 9 سنوات الى 15 للبنت، ثم رفعه الى مجلس الوزراء (في عهد الرئيس فؤاد السنيورة)، فأقره ثم أحاله على المجلس النيابي فأحاله رئيس المجلس نبيه بري على لجنة الإدارة والعدل، حيث اعترض النائب الجسر على صيغة مشروع القانون وتعهد بتقديم صيغة أفضل مع الحفاظ على مضمونه... ثم جاءت الانتخابات النيابية وتشكلت حكومة جديدة لكن النائب الجسر لم يقدم تلك الصيغة، ما دفع بنا إلى توجيه رسالة الى المسؤولين تتضمن كل المعلومات لنتفاجأ بعد أيام بنشر النائب الجسر مشروع قانون مؤلف من 26 مادة نسف فيها كل شيء، بما في ذلك سن 13-15 مقترحاً رفع السن الى 11 سنة للصبي والبنت، فاضطررنا الى الرد عليه». وتابعت: «قلنا في الرسالة أن مشروع القانون اقترحه مجلس القضاء الأعلى برئاسة مفتي الجمهورية اللبنانية، في 2009 لتعديل المادة 242 من قانون تنظيم القضاء الشرعي السني والجعفري، والمتعلقة برفع سن حضانة 13 سنة للصبي و15 سنة للبنت، من دون الإخلال بحقوق الأب الشرعية... ثم أرسله موقعاً من المفتي قباني إلى رئاسة مجلس الوزراء الذي وافق عليه في جلسة برئاسة الرئيس (السابق للحكومة) فؤاد السنيورة، بتاريخ 26/2/2009 وأحيل على مجلس النواب، بموجب مرسوم يحمل الرقم /1550/ تاريخ 14 آذار (أبريل) 2009، موقعاً من رئيس الجمهورية ميشال سليمان، والرئيس السنيورة». وأضافت: «أحال رئيس مجلس النواب نبيه بري المشروع إلى لجنة الإدارة والعدل السابقة، حيث عرض على أعضائها في الجلسة الأخيرة للجنة التي سبقت الانتخابات النيابية في حزيران (يونيو) 2009، فاعترض اثنان من أعضائها... وبعد اتصالات ومطالبات أعيد البحث في هذا المرسوم خلال جلسة لجنة الإدارة والعدل في مطلع 2010، في حضور القاضيين الشرعيين محمد أمين الكردي وعارف الحاج اللذين نقلا عن المفتي إصراره على تنفيذ كل ما ورد في هذا المرسوم. ومع ذلك ويا للأسف ويا للعجب، أصر أحد أعضاء اللجنة على موقفه مطالباً بإعادة صياغة مشروع القانون، وذلك خلال أسبوعين من انعقاد هذه الجلسة، متعهداً عدم المساس بجوهره المتمثل برفع سن الحضانة إلى 13 سنة و15 سنة، وبقية التعديلات المذكورة في هذا المرسوم». وأشارت إلى «مضي شهرين على تعهد النائب إعادة الصياغة للمشروع وحتى تاريخه، لم تلمس الشبكة سوى التمييع»، معربة عن أسفها ل «تمييع هذا المطلب المحق والعادل والحضاري والمتطور الذي يصب في مصلحة القاصر والأسرة مجتمعة من قبل نائب تبين أنه يقوم بتأليب بعض الرأي العام ضد هذا المشروع الإصلاحي الحضاري الإنساني الرامي إلى حفظ مصلحة الطفل بخاصة والأسرة بشكل عام، سعياً منه لعدم إقراره تحت غطاء إعادة صياغته التي لا يمكن أن تستغرق أكثر من 24 ساعة، وأن وقوفكم معنا في هذا الواجب كفيل بإحباط ذلك». وسألت الشبكة في رسالتها: «هل في لبنان مَن يختصر بشخصه طائفة بأكملها؟ لا نعتقد ذلك... وأطفال لبنان ينتظرون الرد، وأمهات لبنان ينتظرن الوعد». لا ضرر ولا ضرار النائب الجسر يرفض اتهامه بتمييع هذا المطلب قائلاً: «سامحهم الله». ثم يسحب من درجه ملفاً متكاملاً يتضمن مشروع القانون الوارد من الحكومة مدوناً عليه ملاحظات وأبحاثاً أجراها هو من أجل تحديث النص وتطويره بما «يحافظ فعلاً على الأسر وهي الحصن الأخير الذي أخشى ما أخشاه من أن تكون مستهدفة». ويقول: «أنا لم أميّع الأمر بل عقدت لقاءات مع المفتي وقضاة كما أجريت بحثاً لأعدّ قانوناً يقدم خدمة فعلية للأم والطفل، انطلاقاً من القاعدة الشرعية القائلة: لا ضرر ولا ضرار». ويضيف شارحاً موقفه ل «الحياة»: «أولاً، من حيث المبدأ، هذا الأمر لا علاقة للمجلس النيابي به لأن أمور النكاح والطلاق تعتبر من الأمور التي تتولى شؤونها الطائفة السنية وهي بموجب الدستور مستقلة استقلالاً تاماً في الأمور الدينية. أما وقد وصل مشروع القانون الى لجنة الإدارة والعدل وأنا عضو فيها وعلي أن أقوم بواجبي، ولا يمكن أن نضع نصاً تشريعياً من دون أن نحيط بكل الأمور المتعلقة به. أجريت بحثاً معمقاً حول الموضوع وتبين لي أن المبدأ المعتمد لدى المحاكم السنية حالياً أن إعطاء الحضانة للأم بعد وقوع الطلاق الى سن السابعة للصبي والتاسعة للبنت يعود إلى أسباب لها علاقة ببلوغ البنت التي يجب أن تتعلم هذه الأمور من أمها، وطريقة تربية الصبي بعد سن السابعة. وتبين أن سن البلوغ في لبنان للبنت يقارب ال 13 سنة وكذلك بالنسبة الى الصبي وأضفت إلى الأمر مسألة التعليم الإلزامي التي حددت بالصف السادس أي أيضاً بعمر 10 – 11 سنة. وعدت إلى القانون العربي الموحّد وتبين لي أنه ينص على سن ال 11 للبنت والصبي، فبنيت اقتراحاً بأن يكون سن الحضانة 11 سنة للصبي و13 سنة للبنت». وتابع: «لكنني لم أتوقف عند هذا الأمر فحسب، بل تطرقت إلى أمور أساسية أخرى لها علاقة بالمهر الذي يفقد كثيراً من قيمته بحسب التجارب والأوضاع الاقتصادية التي مررنا بها في لبنان، فاقترحت أن يكون مربوطاً بسعر الذهب في حينه. وكذلك مسألة النفقة للطفل والزوجة والأم والأب، إذ أن الجاري حالياً أن هذه النفقة لا تعطى إلا بعد صدور حكم وهذا قد يستغرق سنة أو أكثر. فاقترحت أن يدفع 80 في المئة من النفقة فور تسجيل الدعوة كسلفة على أن تسوى بعد صدور الحكم». ... وهل الأفق مسدود؟ يجيب الجسر: «الأفق ليس مسدوداً والحوار مع شبكة حقوق الأسرة لا يزال قائماً وهم قدموا مسودة لن أكشفها، ولكنها متقدمة جداً وتجرى حالياً دراستها والأمور ماشية. وأعتقد أنها يمكن أن تدرج على جدول أعمال الجلسة المقبلة للجنة الإدارة والعدل لتدرس وتناقش في جلستين ثم نحيلها على الهيئة العامة لإقرارها وتصبح نافذة».