يلاحظ المتابع للبث التلفزيوني عموماً ضمور الإقبال على متابعة القنوات التلفزيونية الأرضية لمصلحة البث الفضائي بقنواته التي لا تحصى، وأيضاً بغزارة موضوعاته وتنوعها. ليست هي حالة انحياز إلى وسيلة تقنية وحسب، بل إلى حالة من «العرض الكوني» الذي يتجاوز – غالباً – المحليّة كجغرافيا كما كقضايا وهموم تتعلق بهذه المجموعة البشرية أو تلك. البث التلفزيوني الأرضي هو بكل المعاني بث «محلي» يتعلق بحيز جغرافي محدّد بكل ما يدور على أرضه من صراعات، وما تحمله من مشاكل وهموم تحتاج الى معالجات هي أيضاً محلية قد لا تعني غير أصحابها ومن يعيشونها من مواطني هذه الدولة أو تلك، على عكس البث الفضائي الذي تقع معالجاته في العمومية، وتتصدى قنواته لموضوعات إعلامية لها سمة «المشترك» بين مواطنين من جنسيات مختلفة، وحتى ممّن ينطقون لغات مختلفة ليس لها طابع «قومي» أو حدود جغرافية. هكذا أسهم البث الفضائي في تقريب اللّهجات العربية وتعويمها، وتبديد فكرة «اللّهجة المركزية» التي كانت معتمدة لغة للغناء والدراما. وهكذا أيضاً أمكنت «عولمة» الهموم والقضايا البشرية في صورة جعلت أي حدث سياسي أو غير سياسي يتحوّل خلال دقائق قليلة إلى حدث كوني يستقطب اهتمام البشر في كل أنحاء المعمورة بما يعنيه ذلك بالطبع من تحوّل في نوعية اهتمام القناة الفضائية، وتغيّر في موضوعاتها التي يتوجب تقديمها الى مشاهدين من ثقافات متعدّدة ومتباينة. هل يمكن الحديث عن العولمة من دون أن نتذكّر البث الفضائي في قطاع الرّياضة؟ من يرجع بذاكرته إلى مرحلة ما قبل البث الفضائي يكتشف العلاقة الوطيدة السائدة اليوم بين مسابقات كرة القدم والبث الفضائي بكل ما تعنيه هذه العلاقة على صعيد المشاهدات التي تتجاوز الملايين، وأيضاً توظيف النقل التلفزيوني للمباريات في دورة رأس مال كبرى وذات أرباح هائلة. مع ذلك ثمة حنين ينتاب المشاهد إلى «محطاته» الأرضية، تلك التي تشبه «حارته» ومكانه الأول، ففيها تمكنه رؤية صورته الخاصة ومعاينتها من قرب في زمن كادت معه تلك الصورة أن تتبدّد نهائياً لمصلحة صورة أخرى قد لا يجد فيها ملامحه أبداً.