اصبح تعريف الإرهاب معركة فكرية وسياسية لا تقل تعقيداً عن الاعمال الارهابية ذاتها. وخلال السنوات الماضية صار للارهاب تعريفات بعدد الدول، والتنظيمات، والاحزاب، والثقافات، والاديان. وأعاق هذا الاختلاف اتخاذ موقف اسلامي واضح من الارهاب على رغم خطورته على الاسلام، وصورة العرب والمسلمين. وكان لخلط الارهاب بقضيتي الجهاد والمقاومة أثر كبير في ابتعاد علماء المسلمين عن مناقشة قضية التعريف، والحماسة لها، فضلاً عن ان معظم الفقهاء آثر السلامة خشية استخدام تعريفه وموقفه في الصراع الذي تعيشه المنطقة، فتوقف عن اعلان رأيه في القضية، وساهم هذا الصمت في نمو الظاهرة في دولنا، ومنع تجريمها في شكل واضح. هيئة كبار العلماء في السعودية قدمت، الاثنين الماضي، خطوة مهمة. وهي وصفت الإرهاب بأنه اي عمل يؤدي الى «الإفساد، واستهداف الموارد العامة، وخطف الطائرات، ونسف المباني»، واعتبرت احداث 9/11 عملاً اجرامياً، وبحسب ما نقلت جريدة «الشرق الأوسط»، فان الهيئة جعلت تجريم هذه الأعمال عامّاً في كل دول العالم من دون استثناء، فضلاً عن ان الفتوى جرمت تمويل الإرهاب بكل اشكاله وصوره، واعتبرت الممول شريكاً في الجريمة، وحملت الأفراد المتورطين في استغلال العمل الخيري، لتمويل أعمال إرهابية، مسؤولية المشاركة في العمل الارهابي. لا شك في ان موقف هيئة كبار العلماء في السعودية خطوة جديرة بالاهتمام والحفاوة والتقدير، من شأنها حسم الجدل المفتعل، حول ظاهرة الإرهاب، وهي ستساعد الكثير من الفقهاء والمشائخ، على التحرر من الالتباس الذي ساهمت فيه معركة تعريف الإرهاب، إضافة الى ان هذه الخطوة تحررت من الإشكالات السياسية، وتعاملت مع الإرهاب بوصفه عملاً اجرامياً ضد الأبرياء والدول، بصرف النظر عن انتماءات البشر، ومواقف الدول. وهذا الموقف المتحضر يُعدّ نقلة كبيرة في مناخ التفكير الذي فرض علينا خلال السنوات التي تلت أحداث ايلول (سبتمبر) وما تلاها. الأكيد ان موقف هيئة كبار العلماء في السعودية سيسهم في شكل جذري في لجم التهم التي طاولت السعودية وقيادتها، وعلماءها، ومؤسساتها الدينية، ناهيك عن ان هذه الفتوى ستوقف التأويلات التي تتحدث، على الدوام، عن رأي سياسي سعودي رافض للإرهاب، وآخر ديني متشكك حياله.