في سياق أنشطة بيروت «عاصمة عالمية للكتاب» أقام اتحاد الناشرين العرب بالتعاون مع وزارة الثقافة وبرعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري ندوة حول توزيع الكتاب في لبنان والعالم العربي، حضرها ناشرون من مختلف البلدان العربية. وجاءت هذه الندوة ضمن التوصيات التي خرج بها المجتمعون في المؤتمر الأول الذي أقامه الاتحاد في الرياض قبل نحو ستة أشهر. عرضت الندوة لتجارب متنوعة وطرحت بعض المشاكل التي تواجه نشر الكتاب وتوزيعه والحلول الممكنة لها من خلال مشاركات عدة، مثل: تجربة مجموعة نوفل MMO في مجال التوزيع عبر المكتبات في لبنان والأقطار المجاورة التي تحدث عنها داني مطر، وتجربة موقع «النيل والفرات دوت كوم» في مجال التوزيع عبر شبكة الإنترنت التي تناولها صلاح الدين شبارو، وتجربة شركة الورّاق في مجال التوزيع على المخازن التجارية والصيدليات في السعودية وقد عرضها رامي شمسي باشا، وتجربة شركة البراق في مجال توزيع الكتاب العربي والغربي على مراكز التوزيع في فرنسا قدمها وسام منصور، وأخيراً تجربة شركة «غاردنيرز» في مجال توزيع الكتاب الغربي في بريطانيا تحدث عنها روبرت فيكتور كيلي. هذه المشاركات كانت غنية وشاملة مع العلم أنّ بعض المتكلمين تمنّى لو كانت مصوّرة عبر الفيديو كي يستطيع موظفوهم مشاهدتها والإفادة منها، لأنّ التلخيص على الورق لن يكون له فعل المشاهد الحيّة. وشعر بعض المنتدين أنّ هذه الندوة كان يجب أن تضم، بالإضافة إلى الناشرين أو أصحاب دور النشر، أصحاب المكتبات ومديري المعارض التجارية الكبرى كي يُبحث الموضوع من كل جوانبه وليس من زاوية واحدة فحسب. اعتبر رئيس جمعية الناشرين السعوديين ونائب رئيس اتحاد الناشرين العرب أحمد فهد حمدان في لقاء خاص مع «الحياة» بعد انتهاء المؤتمر، أنّ هذه الندوة مهمة جداً وأتت تلبية لحاجة ملحة فرضها الواقع، لأنّ وضع الكتاب العربي بالنسبة إلى التوزيع ضعيف جداً مقارنة بالصحف والمجلات أو مقارنة بالكتاب الأجنبي. وقال إنّ الندوة ستكون مفيدة وسيكون لها أثر كبير في إيجاد شركة لتوزيع الكتاب العربي في مختلف البلدان العربية، بعدما سُلّطت الأضواء على المعوّقات التي كانت تحول دون ذلك. وأجاب على سؤال حول موضوع الندوة المقبلة التي يحتاجها العالم العربي قائلاً: «إنّنا في حاجة ماسّة إلى التحدّث عن مشكلة القرصنة في العالم العربي». الأمين العام لاتحاد الناشرين العرب محمد علي بيضون عبّر بدوره عن أهمية هذه الندوة التي فاقت نتائجها توقعاته. ونفى بيضون أن تكون المشكلة الأساسية تراجع عدد القرّاء العرب وليس ضعف انتشار الكتاب العربي، مؤكّداً أنّ عدد القرّاء إلى ازدياد. ورد المشكلة إلى سوء اختيار الناشر للكتاب المناسب وتوجيهه للقارئ المناسب. وتمنّى أن يتم تنظيم ندوة سنوية للبحث في المشاكل المستجدة، وأن يحضرها الناشرون الجدد الذين تنقصهم الخبرة الكافية، فبذلك يستطيعون تفادي الوقوع في مطبات عديدة، مستفيدين من خبرات مَن سبقهم. أمّا موضوع الندوة التالية التي نحتاجها بحسب رأيه فهي حول حقوق الملكية الفكرية والأدبية. مسؤول العلاقات الدولية والعربية في اتحاد الناشرين العرب بشّار شبارو لم يغض الطرف عن قلّة المهتمّين بالقراءة في العالم العربي، لكنّه أوضح أن معالجة مشكلة النشر تأتي بسبب العجز في إيصال الكتاب إلى المهتمين بالقراءة جميعهم. فطباعة ثلاثة آلاف نسخة فقط من كتاب ما ل340 مليون عربي هو أمر مخجل، فهو يعتقد أن عدد القراء يجب أن يكون على الأقل 100 ألف، وبالتالي فلا بد من أن تكون المشكلة هي عدم معرفة القارئ بوجود الكتاب الذي يمكن أن يقرأه. ويؤكّد شبارو نظريته من خلال ملاحظته أن الكتّاب الذين يعلنون عن كتبهم عبر شاشات التلفزيون يبيعون أعداداً كبيرة في وقت قصير، ومن هنا يمكن الاستنتاج أنّ القارئ حين يعرف بأمر كتاب ما فلا بد له من أن يشتريه. عضو مجلس الإدارة في اتحاد الناشرين العرب ورئيس لجنة المعارض العربية والدولية هيثم حافظ قال إنّ مشكلة عملية التوزيع هي أكثر ما يواجه الناشر العربي لأنّ لا وجود لشركات متخصّصة في التوزيع، لذلك بدأ العمل على إنشاء مثل هذه الشركات من خلال هذه الندوة. وأكّد أن اضطرار الناشر للاهتمام بتفاصيل كثيرة مع النشر مثل التوزيع والطباعة يتسبّب في إلهائه عن هدفه الأساس، وهو على رغم ذلك يتابع العمل حبّاً بالكتاب. أمّا دور الندوة فكان مهماً بحسب رأيه لأنّ المشاكل التي تواجه أحد البلدان العربية هي شبيهة بتلك التي تواجه بقية البلدان، وبالتالي فإنّ المشاركة فيها والتحدّث عن الحلول التي اعتمدها الواحد يسهمان في إفادة الجميع. عادل المصري رئيس مجلس إدارة دار أطلس للنشر تحدّث عن أهمية هذه الندوة في ظل المنافسة الشديدة التي يتعرّض لها الكتاب في شكله الورقي من خلال الإنترنت والكتب الإلكترونية. وأفصح أنّ معظم ما قيل خلال الندوة معلوم من الجميع ولكن في شكله العام فقط، أمّا التفاصيل الدقيقة فتمّ التعرّف إليها من خلال المشاركات التي قُدّمت. وسام منصور الذي قدّم تجربة شركة «البراق» في الندوة قال ل «الحياة» إنّ ما ينقص الوطن العربي لتنفيذ خطة العمل التي يتّبعونها لبيع الكتب في فرنسا هي وجود هيكلية شاملة وكاملة لسوق الكتاب. أي وجود نقاط بيع كثيرة وقاعدة بيانات تحتوي على معلومات عن كل الكتب المطروحة في الأسواق. ناهيك بأنّ القراءة في العالم العربي، بحسب رأيه، هي من الكماليات، أمّا في البلدان الغربية فهي من الأولويات، والضريبة على الكتاب تعادل الضريبة على المنتوجات الغذائية، أي إنّهما متعادلان من حيث الأهمية. ما علينا سوى انتظار آثار هذه الندوة آملين بأن يحقق الكتاب العربي قفزة نوعية في العالم العربي فنقع، ولو نادراً، على شخص يقرأ كتاباً في محطة الباص بدلاً من أن يضع في أذنيه سماعتين صغيرتين وينقطع عن العالم.