كثرت في الآونة الأخيرة الندوات والمؤتمرات حول قضايا جوهرية لنا كحكومة ومجتمع، مثل المؤتمر الأخير عن التطرف وفكره والذي عقد في المدينةالمنورة، في العاصمة الرياض عقدت تحت رعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين ندوة الحسبة التي نظمتها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. في البدء أعتقد أنه يحق لكل جهاز سواء كان خاصاً أم حكومياً العمل من خلال ورش العمل والمؤتمرات والندوات لتطوير ذاته والإقرار بمشكلاته وما يعانيه من مصاعب، وهذا توجه علمي للرقي بأداء أي مؤسسة ودلالة على ما تعنيه لصورتها الذهنية لدى الجمهور المستهدف سواء كان على نطاق شركة أم مجتمع محدد أم على المستوي الدولي. من خلال مراجعة الأوراق العلمية المقدمة في هذه الندوة تظهر عليها الصبغة الدعائية للهيئة، وهذا ضد مفهوم النقد والتمحيص الذاتي، فمعظم الأوراق تؤكد على مبادئ معروفة للجميع بأهمية الحسبة ورعاية الدولة لها وهذا لا يختلف عليه أحد. ولكن المتابع للشأن الداخلي في المملكة وما يعيشه من انفتاح في حق النقد سواء من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومن خلال بعض القنوات الرسمية كمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني يجد أن من الأجهزة التي طاولها النقد في الإعلام وبعض الندوات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بخاصة أن الهيئة لها ارتباط وتعامل مباشر مع غالبية أفراد المجتمع الذين قد يشكلون ثقافات ورؤى متعددة؛ مما يدخلهم والهيئة في قضايا خلافية تتحول في كثير من الأحيان إلى قضايا رأي عام، مثل قضايا الاختلاط ومفهوم كل طرف حوله وقضايا التبرج وغيرها، إذ نجد أن تصرفات بعض مسؤولي الهيئة أدت إلى حوادث قتل وحوادث سيارات، والهيئة خلال السنوات القليلة الماضية كانت محور اهتمام الإعلام المحلي والدولي في بعض القضايا؛ فالمتابع لهذا الملف يتذكر قضية كاميرات الهيئة التي كانت تنوي وضعها في الأسواق ومن فترة قريبة قضية تفتيش نوعية محددة من أجهزة الهاتف النقال. كان من المفترض أن يكون تركيز هذه الأوراق العلمية المقدمة في هذه الندوة لمحاولة التغيرات الاجتماعية والثقافية في المجتمع حتى تستطيع الهيئة التعامل مع الثقافة الجديدة الناشئة في مجتمعنا لأسباب كثيرة متعددة؛ منها الثورة المعلوماتية والمعرفية وانعكاسات العولمة على مجتمعاتنا، مثل هذا المنحى الأحادي قد يكون له آثار سلبية على صورة الهيئة. في هذا السياق ومن خلال الأوراق المقدمة في هذه الندوة ورقة مقدمة من الباحث عبدالله الشمري حول صورة الهيئة في الإعلام الدولي «الألماني» الذي من خلال مطالعتها تعيد للأذهان أن الغرب من خلال مؤسساته المختلفة سواء السياسية أم الإعلامية فقط ينتظر هفوات الهيئة، ونجد أن الورقة تلمح إلى أن الصحافة السعودية تشوه صورة الهيئة خارجياً من خلال ما تطرحه الصحافة السعودية من قضايا مجتمعية تكون الهيئة طرفاً فيها، ومن ثم تنتقل هذه القصص الإخبارية للإعلام الدولي وكأن العملية مقصودة. إن الإعلام السعودي المطبوع والإلكتروني يعيش حراكاً منذ سنوات يعطيه المساحة الكافية لمناقشة قضايا مجتمعه، فهل يريد المسؤولون في هذا الجهاز التغاضي عن قضايا ومآسي إنسانية تكون الهيئة علاقة بذلك بسبب حالة الخوف من نقل الإعلام الدولي لمثل هذه القصص الخبرية؟ جهاز الهيئة يجب أن يكون متقبلاً للنقد من الإعلام الداخلي وأن يتعامل مع الإعلام بشيء من الايجابية؛ فمثلاً نجد إحدى توصيات المؤتمر تحث على حفظ ثوابت الأمة، وهذا لا خلاف عليه، ولكن بقية التوصية تضيف ومنع وسائل الإعلام من تجاوز تلك الثوابت. تركز بعض الأوراق المقدمة على أن الإعلام والكتاب لهم موقف مسبق من الهيئة، وأنهم يترصدون أخطاءها وهذه رؤية سلبية تجاه الإعلام، فالإعلام في مجتمعاتنا هو احدى مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بدور رقابي فعال، لذا علينا كأجهزة حكومية أن نعزز أداءنا الوظيفي وأن يكون مبدأ الشفافية حاضراً بالفعل في تقويمنا لتجاربنا، وأن لا نرمي الإعلام وبخاصة الدولي بأنه يحضر ويخوض معركة حضارية ضدنا، وإذا كنا كذلك فنحن نعزز لمن يدعون لمبدأ صراع الحضارات. [email protected]