مع الانفناح المتزايد في السنوات الأخيرة في تركيا على المكونات الاثنية وعلى رأسها الأكراد، وصولاً الى افتتاح أول قناة فضائية باللغة الكردية في العام الماضي، أصبح من المتاح الآن الحديث بحرية أكثر عن الخلفية الاثنية لبعض كبار المسؤولين الذين يعودون الى أصول مختلفة. ومن هذه المكونات هناك الملايين من أصول بلقانية جاءت واستقرت في تركيا الحالية خلال المئة سنة الأخيرة، وبالتحديد من بلغاريا وألبانيا والبوسنة. ومن هؤلاء الألبان الذين منحوا الدولة العثمانية الكثير من الصدور العظام كما ومنحوا تركيا الحديثة بعض القادة العسكريين ومنهم الجنرال كنعان افرين، الذي أصبح رئيساً لتركيا (1982 - 1989)، والقائد الحالي للجيش الجنرال ايلكر باسبوغ . وجود ألباني عريق الوجود الألباني في تركيا الحالية يمكن تصنيفه في قسمين: الأول جاء واستقر خلال الحكم العثماني الطويل الذي دام حوالى 500 سنة، والثاني جاء بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس تركيا الحديثة. ومن هنا يأتي الاختلاف في تقدير عدد الألبان الموجودين في تركيا، اذ تتراوح التقديرات بين مليونين وخمسة ملايين، وبالتحديد بين من هو من أصول ألبانية حافظ على الوعي والاعتزاز بأصله وبين من حافظ على لغته وهويته الاثنية. فمع انهيار الحكم العثماني في البلقان في نهاية 1912 نتيجة للحرب البلقانية بدأت الهجرة الألبانية باتجاه اسطنبول التي تعاظمت بعد تكريس الحدود الجديدة للبلقان عقب الحرب العالمية الاولى. ودخل آنذاك نصف الألبان في الدولة الجديدة (ألبانيا) بينما دخل النصف الآخر في الدولة الجديدة الأخرى (يوغسلافيا). ونظراً إلى أن الألبان وجدوا على غير رغبة منهم في الدولة اليوغسلافية وكانوا غير مرغوب بهم فيها فقد عملت الحكومات اليوغسلافية المتعاقبة كل ما في وسعها لتهجير الالبان الى تركيا. ووصل هذا الامر في 1938 الى حد التوقيع على اتفاقية رسمية بين الدولتين كانت كفيلة بتهجير كل الالبان من يوغسلافيا الى تركيا خلال عشر سنوات، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية حال دون ذلك. وبعد وصول الحزب الشيوعي اليوغسلافي الى الحكم في 1945 كان هناك «شهر عسل» بين يوغسلافيا وألبانيا خلال 1945 - 1948 ولكن الخلاف الأيديولوجي في صيف 1948 أدى الى فتح سبل الهجرة من جديد واستمر ذلك حتى 1966 حين تخلص تيتو من الرجل الثاني في الحزب والدولة (ألكسندر رانكوفيتش) الذي اعتبر مسؤولاً عن تلك السياسة المعادية للالبان. وبسبب التعتيم على موضوع التهجير خلال 1918 - 1966 فقد اختلفت التقديرات حول عدد الالبان الذين هاجروا من يوغسلافيا السابقة الى تركيا بين ربع ونصف مليون مهاجر. ولكن يبدو أن الرقم الاقرب الى الواقع لا يقل عن 300 ألف. ومع هؤلاء الذين هاجروا مع أولادهم واحفادهم ارتفع عدد الالبان في تركيا الى حد أن رئيس الجمهورية الاسبق جودت سوناي اعترف في لقاء رسمي خلال 1969 أن عددهم وصل آنذاك الى مليونين. والى هؤلاء الالبان الذين هاجروا الى تركيا في الموجات الاخيرة ينتمي بعض قادة الجيش والمسؤولين ومنهم الجنرال كنعان افرين والجنرال ايلكير باسبوغ. الرئيس الالباني الثالث وكانت اسرة الجنرال كنعان افرين قد هاجرت من القسم الشرقي من ولاية كوسوفو الذي ضم الى صربيا بعد حرب 1877 - 1878، ما أدى الى هجرة عشرات الآلاف من الالبان الى داخل كوسوفو أو الى بقية أرجاء الدولة العثمانية. ووصلت أسرة افرين الى تركيا في نهاية القرن التاسع عشر واستقرت بالقرب من ملنيسا، حيث ولد كنعان في 1917. وانضم افرين الى الجيش وصعد في الهرمية العسكرية الى أن أصبح قائداً للجيش في عام 1978 في ظروف صعبة كانت تمر بها تركيا. وفي صباح يوم 12 ايلول سبتمبر قاد افرين الانقلاب العسكري الاخير الذي أدى به الى أن يصبح رئيساً للجمهورية خلال الأعوام 1982 - 1989 . وبسبب تعتيم الصحافة التركية واليوغسلافية والالبانية لأسباب داخلية حول هذا الجانب فقد أشارت الى ذلك الصحافة في العالم وركزت على كونه الرئيس الالباني الثالث الذي برز في المنطقة مع رامز عليا في ألبانيا (1985) وسنان حساني في يوغسلافيا (1986). الجنرال البارد وبالمقارنة مع الجنرال افرين الذي لم تتمكن الصحافة التركية والالبانية في حينه من الخوض في أصله الالباني نجد الآن أن الصحافة التركية والالبانية (شكولي 8/4/2010) تتحدث بصراحة عن ايلكر باسبوغ وعن والده سليمان الذي هاجر عشية الحرب العالمية الثانية الى تركيا وعن ظروف نشأته هناك. وتشير المعلومات المنشورة الآن في الصحف الى أن والده هاجر من احدى القرى التي تقع على الحدود بين كوسوفو وجنوب صربيا (حيث تتمركز الاقلية الالبانية) الى تركيا واستقر في قرية أفيون قرا حصار في غرب البلاد حيث استوطن فيها الكثير من الالبان قبلهم. ومن هؤلاء كانت أسرة والدته مقبولة التي ولدت هناك بعد هجرة أسرتها، حيث تعرف إليها وتزوجها سليمان وأنجبا ابنهما البكر الكير في 1943. وبعد وفاة والده وكان في السابعة من عمره انتقل الكير مع والدته الى اسطنبول حيث تابع دراسته في الحي الذي كانت توجد فيه المدرسة العسكرية (قوزغونجوك). وقد أدت نشأته في جوار المدرسة العسكرية الى حلمه بالانخراط في الجيش، وهو ما تحقق أخيراً عندما انتسب الى الكلية العسكرية. وتابع دراساته العسكرية في الخارج، في الولاياتالمتحدة وبريطانيا حيث تخرج في الاكاديمية العسكرية الملكية. وبعد تخرجه خدم في قيادة حلف الناتو كممثل لتركيا حيث ترقى في المناصب المختلفة الى أن عاد الى تركيا ليتولى منصب قائد القوات البرية ويشتهر بلقب «الجنرال البارد» الى أن رشحه المجلس العسكري الاعلى في نهاية 2008 ليكون رئيساً لأركان الجيش. ويصفه الان أحد المقربين منه بأنه «قائد عسكري وديبلوماسي، يتقن الانكليزية ويتكلم القليل ولكنه يفعل الكثير». ومع قراءاته العسكرية يجد الجنرال باسبوغ الوقت أيضاً ليقرأ كتبه المفضلة في علم الاجتماع والديبلوماسية والسينما والمسرح والموسيقى الكلاسيكية. مع صعود الجنرال باسبوغ الى هذا الموقع المهم والحديث عنه بهذه الشفافية لدينا مؤشر آخر على أن ثمة ما يتغير في تركيا في السنوات الاخيرة.