في صيف عام 2003، عقد وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح آل الشيخ لقاء مفتوحاً مع أئمة وخطباء المساجد في محافظة جدة. كان اللقاء في قاعة كبيرة في غرفة جدة. وجدت أنه ليس أمامي كصحافي إلا التسلل إلى هذا اللقاء الذي اعتقدت آنذاك بأنه سيكون مثيراً، خصوصاً في ظل إفرازات أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001. حضر الوزير حينها واكتظت القاعة بعدد كبير من الأئمة والخطباء، وخلال اللقاء سأل أحد الأئمة وزيره عن إمكان استخدام التقنية والتكنولوجيا في خطبة الجمعة، وقبل ان ينهي سؤاله ضحك عدد من زملائه في استغراب من سؤاله. لمس الوزير رداً سريعاً في ضحك هؤلاء، فرد بقوله وهو يضحك: «أنت مطوع ليبرالي»، فزادت قهقهة الحضور، إلا ان الوزير ربط هذه الإجابة بقوله، لا اعتقد ان خطبة الجمعة في الوقت الحالي تحتاج إلى تقنية. وكأنه يريد ان يقول بأنه لا يختلف مع هذا المقترح، لكنه لا حاجة له الآن. وخلال مؤتمر «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف» الذي نظمته الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة الأسبوع الماضي، دعت احدى توصيات المؤتمر المؤسسات الدينية لتفعيل رسالتها السامية في إعداد الأئمة للقيام برسالة المسجد على الوجه المطلوب وتفعيل دور المسجد التوعوي بتبصير المجتمع بأضرار الغلو والتطرف ومخاطر الإرهاب، وتقديم خطبة الجمعة بأسلوب يواكب متطلبات وحاجات العصر، تشتمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة والأفكار المنحرفة مع الابتعاد عن أساليب الإثارة المحفزة على الغلو والتطرف، وتكثيف جهود الدعاة من خلال العمل الميداني لتوعية وتبصير الشباب بشأن الانحرافات الفكرية وما يترتب عليها من مخاطر وأضرار، وتحقيقاً لذلك يستحث المؤتمر الدول الإسلامية على إنشاء معاهد أو مراكز متقدمة، لإعداد وتأهيل الأئمة والدعاة. يوم الجمعة الماضي وصلتني رسالة هاتفية من الزميل الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد من ماليزيا، نصها «صليت الجمعة في المسجد الكبير في كوالالمبور، وألقى الخطيب خطبته مستعيناً ب»بور بوينت» عبر شاشة عرض عملاقة تظهر ابرز عناصر الخطبة بما في ذلك الآيات القرآنية بالأحرف العربية وترجمتها بالملاوية، إضافة إلى صور توضيحية معبرة». وفي منتصف عام 2006، نشرت صحيفة الوطن السعودية خبراً، وبدأت الصحيفة خبرها بالفعل «فوجئ»، وهو - على ما يبدو - حكم مسبق، ونص الخبر: «فوجئ المصلون في أحد جوامع محافظة سراة عبيدة التابعة لمنطقة عسير الجمعة الماضية بإمام المسجد يلقي خطبته من جهاز كومبيوتر «لاب توب» اصطحبه معه على المنبر. وكان المصلون دأبوا على سماع الخطبة من ورقة مكتوبة، ما أثار دهشة الحاضرين الذين دارت بينهم حوارات طويلة وجدليات أطول بعد الصلاة عن مدى جواز هذا العمل. توجهت الصحيفة بمهنية لسؤال مدير الشؤون الإسلامية والأوقاف في منطقة عسير الدكتور عبدالله بن محمد الحميد، الذي أجاب بأنه تمت معاقبة الخطيب على هذه الخطوة التي اتخذها منفرداً وباجتهاد شخصي منه، مؤكداً أن المعاقبة ليست لاستخدام التقنية الحديثة وإنما لغرابة الموقف فضلاً عن احتمال انشغال المتابعين للخطبة بمشاهدة الجهاز. في المقابل، يجيب الشيخ جمال قطب من علماء الأزهر، حول ما تناقلته وسائل الإعلام، من أن إماماً تركياً ابتكر وسيلة جديدة للخطبة، بحيث يخطب في المسجد، وتبث الخطبة إلى 350 مسجداً، ويقوم أئمة المساجد بصلاة الجمعة في مساجدهم، بقوله: «إذ رضي المأمومون بالمستوى العلمي الذي يقدمه ذلك الخطيب، فإن الفكرة على رغم جدتها وطرافتها، فإنها لا تتعارض وأحكام الشرع، فالنصوص المتواترة تعلمنا ان خطبة الجمعة توضح للناس أمور دينهم ودنياهم». بعد هذه السنوات، ما بين قهقهة أئمة وخطباء في جدة من مقترح زميلهم وبين معاقبة أمام مسجد لاستخدامه التقنية وبين ما وردني من كوالالمبور من ابن سعيد ثم ما ورد في توصيات مؤتمر الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة، من تأكيد على ضرورة تقديم خطبة الجمعة بأسلوب يواكب متطلبات وحاجات العصر، لا يزال يقف بعض الأئمة والخطباء موقفاً معارضاً من استخدام أساليب التقنية في خطبة الجمعة، وهو ليس بمستغرب لكون بعضهم درج على مقاومة كل تقنية جديدة، فمثلاً عندما بدأت الدشوش كانوا يحاربونها ويتصيدونها بالتحريم، ثم ما لبثوا ان تهافتوا للظهور عليها بحجة الاستفادة منها، ثم حَرّموا تقنية «البلوتوث»، ثم لم يلبثوا أن أصبحوا يستخدمونها في الدعوة كما يقولون في مجتمعات إسلامية. ثم ثم وما أكثر ثم! بعض الأئمة - هداهم الله - يريدون ان يدخلوا في مواضيع لا يفهمون كواليسها وكوابيسها، سواء سياسية أو اقتصادية أو علمية، أو لا يعرف إلا الدعاء بتقطيع الأوصال وترديد الويل والثبور وعظائم الأمور، وتصنيف الناس إلى إسلاميين وعلمانيين وليبراليين، مع أن الإسلام يحث على التسامح لا التناطح. ما يتوجب على وزارة الشؤون الإسلامية هو كبح جماح بعض الائمة الذين يعتلون منابر المساجد لتصفية الحسابات وقذف المختلفين معهم فكرياً بأقذع الأوصاف بطريقة لا تمت للإسلام بصلة، وهو ما دعا وكيل الوزارة الدكتور توفيق السديري إلى القول بأن وزارته ستعمل على محاسبة هؤلاء الأئمة بحسب الأنظمة، وعزل غير المتفاعلين منهم. [email protected]