تفرح الجماهير العربية، تهلل، تخرج بالألوف إلى الشوارع، ابتهاجاً بفوز في لعبة كرة القدم. ترفع الأعلام والرايات. تصدح الإذاعات والقنوات بالأغاني الوطنية. تطلق الشعارات. تعطى الألقاب وتمنح النعوت والصفات، منها العسكرية والدينية، ومنها ما هو من داخل الغابات، حتى صار اللاعبون النجوم والأبطال من طراز المحاربين والمجاهدين والساجدين، وهم النسور والصقور والأسود، يتوج اللاعبون بالهدايا، تغدق عليهم أنواع التكريمات، تقام على شرفهم الحفلات، نسهب في المدح والإطراء. حتى صار تمجيدنا للاعبين أكثر من تمجيدنا حراس الحدود، العيون الساهرة لحراستنا من غدر الأعداء، والجنود المقاتلين على الجبهة دفاعاً عن الوطن، أكثر من المعلم مع تلاميذه في مدرسته، والطبيب مع مريضه في عيادته، والمهندس بين تصاميمه في موقعه، أعظم من تكريم العامل المكافح في مصنعه، والفلاح المزارع في أرضه، والشرطي في مخفره. هكذا الحال تبدلت الأولويات، تقدم إشباع الهوى والرغبات على إشباع العقول والبطون الجائعة. الرياضة مهمة في حياتنا جميعاً، لكننا ضد المبالغة في وصفها والتعاطي معها، وأن نخلع عليها صفات الوطنية، وإضفاء معاني الولاء، واختزال الفرحة وقصرها عليها. العرب في أمس الحاجة اليوم لانتصارات واقعية ملموسة في الصحة والتعليم والزراعة والصناعة. انتصارات في قوة الردع، والدفاع عن الأوطان ضد الإرهابيين والمستعمرين الجدد. انتصارات ضد الفساد بكل أشكاله، انتصارات تعيد لنا أمجاد الآباء، تسترجع مكانتنا التاريخية، وتضعنا في مصاف الدول الرائدة. [email protected]