يتمتع الكائن الحي بتعقيدات هائلة في خلاياه وأنسجته وأعضائه. وكانت مسألة تحليل وظائفه البيولوجية وفهمها، أمراً في غاية الصعوبة، فيما اعتُبِر تعديل هذه الوظائف مهمةً مستحيلة. لكن هذه الصورة تغيّرت مع تطوّر التكنولوجيا، وما كان يبدو مستحيلاً صار من المستطاع سبر أغواره بقليل من الدهشة! يتناول الاختصاصي الفرنسي لورنت آلكسندر، وهو باحث في علوم الجينوم، في أحد مؤلّفاته ما يسمّيه «رباعية «إن. آي. بي. سي» NIBC. وتشير الرباعية إلى ميادين تكنولوجية متباينة تتيح إبداعاتها مصارعة المرض والشيخوخة، بفضل تفكير طبيّ متوثّب مدعّم بأسلحة علمية تعطيه قوةٍ لم يكن يحلم بها منذ بضعة عقود. في رباعيّة «إن. آي. بي. سي» يرمز ال «إن»، إلى النانوتكنولوجيا. إذ يصل التداول الطبي إلى المستوى الذرّات، لأن النانو جزء من مليون من الميلليمتر. ويشير الحرف «آي» إلى المعلوماتية («إنفورماتيك») التي تشهد تطوراً هائل السرعة. ويدلّ حرف «بي» على البيوتكنولوجيا، وهي علوم تتداخل فيها وسائل التكنولوجيا بالوظائف البيولوجية للأعضاء والأنسجة الحيّة. ويرمز الحرف «سي» إلى علوم الدماغيات والذكاء الاصطناعي. وتتطوّر هذه الميادين التكنولوجية الأربعة بتسارع منذ العقد الأول من القرن 21، بطريقة ربما تجعل ما كان خيالاً علمياً بالأمس واقعاً طبياً حقيقياً يبدأ بالتجسّد الآن. أعضاء اصطناعيّة بالكامل في مستقبل ربما لا يكون بعيداً، يصبح البشر قادرين على معالجة الأعضاء التالفة واستعادة وظائفها الطبيعية، استناداً إلى تكنولوجيا تعمل على زيادة القدرة والدّقة وتصغير الأبعاد. ربما استطاع العلماء التدخّل في جينوم البشر والحمض النووي الوراثي، سعياً وراء ترميم خلايا الجسم. ويتوقّع أن تتطور جراحة الروبوت بطريقة تتيح صنع أعضاء اصطناعية كاملة، وزراعة أجهزة إلكترونيّة في الأجساد، إضافة إلى مُحرّكات نانوية تزرع في عمق الأنسجة للتأثير في عمل الخلايا. لم تكن لتحصل كل هذه الثورة في الطب لولا تقدّم المحاكاة الافتراضيّة والبرمجة بالكومبيوتر العملاق «سوبر كومبيوتر» الذي يستطيع تحليل معطيات الكائن الحي وتفكيك أسرار شيفرته الجينية. هذه الثورة المشهودة في التكنولوجيا توقّعها غوردن مور، مؤسس شركة «إنتل»، في مقال نشره عام 1965، مشيراً إلى أن عدد الترانزستورات في الدائرة الإلكترونية يتضاعف كل 18 شهراً مع زيادة موازية في قوة الحواسيب وذاكرتها. وأثبتت هذه النظرية صحّتها في صناعة المعلوماتية والاتصالات. وعرفت هذه النظرية ب «قانون مور». ويتوقع مراقبون أن يبقى قانون مور صالحاً حتى عام 2020، ما يوجب انتظار حدوث قفزات جديدة في سعة الحواسيب وقوتها في السنوات المقبلة. غني عن القول بأن التكنولوجيا الإلكترونية تطوّرت بما يتيح لشريحة صغيرة إنجاز بلايين العمليات الحاسوبية في الثانية. وثمّة حواسيب يمكنها معالجة 15 مليون بليون عملية في الثانية، مع توقّع الوصول إلى سرعة بليون بليون عملية في الثانية، بحلول عام 2018. * رئيس الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث