مع بزوغ شمس يوم أول من أمس، كان العديد من وسائل الاعلام الاجنبية والاسرائيلية يتجمع في ميدان محمود درويش في رام الله لإعداد تقارير عن شارع يتفرع من هذا الميدان ويحمل اسم يحيى عياش، قائد الجهاز العسكري لحركة «حماس» الذي اغتالته اسرائيل في غزة عام 1996. أخذ المارة يطلقون عبارات بالغة السخرية على وسائل الاعلام وعلى الساسة الذين «يتركون الاستيطان والاحتلال ويأتون الى رام الله للبحث عن أسلحة دمار شامل في اسم شارع»، وفق قول احدهم، فيما صرخ آخر: «اذا كان اسم هذا الشارع يعيق عملية السلام، فإنني سأجمع لكم كل أسماء شوارع رام الله وفلسطين وألقيها الآن في القمامة». وجاء تدفق وسائل الاعلام الاسرائيلية والاجنبية على رام الله بعد اعلان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ان السلطة الفلسطينية تمارس «التحريض» وتمجد «الارهابيين» عبر تسمية شوارعها بأسمائهم، ما يعيق عملية السلام. وكانت اسرائيل أثارت قبل شهر ازمة مماثلة على خلفية اطلاق اسم الشهيدة دلال المغربي على ميدان في مدينة البيرة المجارة. وما أثار غضب وسخرية الفلسطينيين الذين يقاسون وطأة الاستيطان والحصار والاغلاق، هو تجاوب عدد من ساسة العالم مع الادعاءات الاسرائيلية، وتوجيه بعضهم انتقادات للسلطة الفلسطينية على خلفية ما اسموه ممارسة «التحريض»، مثل وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون والناطق باسم وزارتها فيليب كراولي. وكانت كلينتون طالبت في حينه السلطة الفلسطينية بالغاء تسمية الميدان باسم دلال المغربي. وأول من امس، أعلن كراولي ان «الولاياتالمتحدة تدين بشدة تمجيد الإرهابيين من جانب السلطة الفلسطينية». وحضّ كراولي القادة الفلسطينيين على «وقف التحريض» ضد إسرائيل. واضاف في ايجاز للصحافيين: «ندين بشدة أيضا تمجيد الإرهابيين، سواء من طريق التصريحات الرسمية أو من خلال اطلاق اسمائهم على الأماكن العامة، وهذا يضر بجهود السلام، ويجب أن يتوقف». وقال ان «الولاياتالمتحدة منزعجة من تصريحات مسؤولي السلطة الفلسطينية عن إعادة إعمار وتأهيل المواقع اليهودية في الحي اليهودي من مدينة القدس القديمة». وكانت السلطة الفلسطينية استجابت لطلب اميركي سابق، وجمدت احتفالاً لاطلاق اسم دلال المغربي على الميدان المذكور. وقالت مصادر مطلعة في حركة «فتح» انه كان من المقرر اطلاق اسم دلال على الميدان في مهرجان شعبي الشهر الماضي، لكن جرى تأجيل الحفلة بعد ضغوط اميركية. وقالت هذه المصادر ان السلطة استجابت للطلب الاميركي بعدم اعطاء اسرائيل ذريعة لصرف الانظار عن الاستيطان ودوره في اعاقة اطلاق المفاوضات. وترى السلطة في ازمة الشوراع التي يخلقها رئيس الوزراء الاسرائيلي محاولة للتغطية على الازمة الحقيقية التي تواجهها العملية السلمية، وهي استمرار الاستيطان. وقال مدير مكتب الاعلام الحكومي الدكتور غسان الخطيب ل «الحياة»: «تعمل اسرائيل على خلق قصص وذرائع سخيفة من اجل اتهام الفلسطينيين بالوقوف عقبة امام السلام، والحقيقة هي ان الاستيطان هو العقبة الحقيقية وليس اسماء الشوارع». وأضاف: «تسمية الشوراع في الاراضي الفلسطينية مسؤولية المجالس المحلية التي ينتخبها الجمهور مباشرة، والسلطة لا تتدخل فيها. والمعروف انه خلال الصراع هناك اشخاص ينخرطون في القتال والنضال يعتبرهم طرف ابطال فيما يعتبرهم الطرف الآخر ارهابيين، وهذا ينطبق على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ونحن نأمل في ان نستطيع التوصل الى معيار مشترك للتعامل مع رواية الطرفين بطريقة واحدة». وقال الخطيب ان السلطة الفلسطينية ملتزمة استحقاقات العملية السلمية، معتبراً ان اسرائيل هي الطرف غير الملتزم الذي يواصل الاستيطان ونهب الارض وتحدي قرارات الشرعية الدولية. وكانت بلدية رام الله التي تعتبر العاصمة الادارية الموقتة للسلطة الفلسطينية في غياب القدس الواقعة تحت الاحتلال والحصار، اطلقت أخيراً اسماء على كافة شوارعها البالغ عددها نحو 500 شارع. وقالت رئيسة البلدية جانيت ميخائيل ل «الحياة» ان البلدية راعت العناصر الوطنية والثقافية والتاريخية في تسمية شوارع المدينة. واضافت: «على سبيل المثال، سميت شوارع بأسماء 400 قرية دمرتها اسرائيل عام 1948، كما سميت شوارع بأسماء شخصيات دولية صديقة للفلسطينيين مثل نلسون مانديلا وشارل ديغول وريتشيل كوري وغيرهم، وشوارع أخرى بأسماء قادة سياسيين مثل جورج حبش وخليل الوزير، ورموز ثقافية مثل ادوار سعيد ومحمود درويش وغيرهم، وشهداء مثل ابو علي مصطفى ودلال المغربي ويحيى عياش وغيرهم. واضافت: «يحي عياش شهيد قتله الاسرائيليون، والاسرائيليون انفسهم يطلقون اسماء قادة كانوا متورطين في جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين، وكانوا مطلوبين للانتداب البريطاني او لمحاكم اوروبية على شوارع وميادين عامة، ونحن لا نتدخل». وتمثل مدينة رام الله عاصمة للعمل السياسي والثقافي الفلسطيني، ورمزاً للتسامح والتعايش بين الاديان والاتجاهات الساسية والاجتماعية والثقافية المتعارضة. ويتولى ادارة المجلس البلدي للمدينة ائتلاف يضم مستقلين ويساريين واسلاميين. ويرى خبراء ومختصون ان اسرائيل تنحو نحو افتعال ازمات جانبية لصرف الاضواء المسلّطة على الاستيطان وعلى المواقف المتشددة لحكومتها التي قادت الى نشوء ازمة حادة مع الولاياتالمتحدة. وقال الكاتب هاني المصري الذي كان عضواً في لجنة التحريض المشتركة في فترة الرئيس الراحل ياسر عرفات: «اذا كانت اسرائيل تعتبر اسماء الشوارع والمناهج الدراسية ووسائل الاعلام الفلسطينية نصوصاً وجهات تحريضية، فان عليها ان تلتفت الى اسماء شوارعها والى مناهجها الدراسية والى وسائل اعلامها». واضاف: «وسائل الاعلام والمناهج الاسرائيلية مغرقة في عنصريتها وتحريضها ضد الفلسطينيين، واذا كانت هناك معايير مشتركة، فان اسرائيل هي التي ستضطر الى تغيير الجزء الاكبر من مناهجها الدراسية، ومن طريقة عمل وسائل اعلامها وليس نحن». واضاف ان الجانب الفلسطيني في لجنة التحريض قدم ادلة دامغة لاسرائيل على التحريض في مناهجها ووسائل اعلامها، لكنها لم تعر ذلك اي اهتمام وواصلت الحديث عما تسميه التحريض الفلسطيني».