قوة ايران لا تخيفني. ضعف العرب يخيفني. بصيغة أخرى: ايران قوية بقدر ما العرب ضعفاء. ايران بلد مفلس، منتج للنفط ولا بنزين فيه، يحكمه رئيس أهوج فوقه الحاكم الفعلي، وهو رجل دين مسن يعيش في القرن الثاني الهجري. ماذا يخيف العرب في ايران؟ يخيفهم برنامجها النووي، وأطماعها في الخليج، وامتدادها وراءه. دول عربية كثيرة تستطيع أن تنفذ برنامجاً نووياً أكبر كثيراً مما عند ايران، وهذه الدول تستطيع أن تنتقل من برنامج سلمي الى برنامج عسكري إذا ثبت أن لايران برنامجاً عسكرياً. غير أن الدول العربية لا تفعل وإنما تقلق من البرنامج الايراني. وهي إن لم تقلق من النيات النووية فإنها تقلق من الأطماع الفارسية القديمة والباقية. غير أن الناس لا تطمع في الأقوياء، فلا أحد يطمع في أميركا أو الصين أو روسيا، أو حتى في اليونان وايطاليا والدول مثلهما التي تحميها ديموقراطيتها. الطمع دائماً في الضعفاء ونحن «حيطة واطية» إذا كان لي أن استعمل لهجة أبو عمار المصرية وأبوابنا مشرّعة لكل طارق. الدول العربية، إن لم تقلق من هذا أو ذاك، تقلق من لهجة محمود أحمدي نجاد، وهو طبل أجوف سرق شعارات عربية قديمة من دون أن يواجهه العرب بغير الخوف أو القلق، أو طلب الحماية من أطراف سيكون ثمن حمايتها أعلى كثيراً من خطر ايران. في 20 من الشهر الماضي اتهم محمود أحمدي نجاد اسرائيل بالعنصرية، وانسحب مندوبون غربيون من مؤتمر الأممالمتحدة ضد العنصرية في جنيف احتجاجاً. اسرائيل دولة عنصرية ألف مرة، وأحمدي نجاد لم يكتشف ذلك بنفسه، وإنما سرق موقفاً عربياً قديماً. ففي سنة 1975 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد حملة عربية، قراراً ساوى بين الصهيونية والعنصرية، وهو قرار ألغي بعد سنوات بضغط من الولاياتالمتحدة. وعندي ألف اعتراض على السياسة الايرانية من البحرين وجزر الإمارات الى مصر والمغرب وغيرها، لكن اسرائيل تبقى دولة عنصرية. منذ 20 نيسان والعرب يتابعون الحملة الغربية على أحمدي نجاد وهم ساكتون عن قضية هي لهم قبل ايران. السكوت علامة الرضا، فهل هم سكتوا لأنهم لم يعودوا يعتبرون اسرائيل دولة عنصرية، وإذا كانوا كذلك فهل موقفهم هذا اعتراف متأخر بأنهم أخطأوا سنة 1975. اسرائيل دولة عنصرية قادتها يريدون أن يقبل العرب بها دولة يهودية، أي لعنصر واحد أو دين، ووزير خارجيتها يطالب بترحيل أهل البلد الحقيقيين والوحيدين من بلدهم، بما أن عنده رعاعاً من مواخير مولدوفا يسكنون في بيوتهم. لماذا لا يقف زعيم عربي ويقول إن اسرائيل دولة عنصرية، ويسترد موقفاً عربياً قديماً، بدل أن يترك الرئيس الايراني ينتحله لنفسه ويكسب به شعبية رخيصة في الشارع العربي. ثمة حقائق لن يغيّرها دفن الرؤوس في الرمال والمؤخرات عارية: - ايران تنفذ برنامجاً نووياً، يمكن أن يتحول من سلمي الى عسكري. - واجب الدول العربية القادرة، ونصفها قادر، أن تنفذ برنامجاً مشابهاً. (واجبها كان أن تسبق ايران الى البرنامج النووي). - ايران لن توقف برنامجها، وأميركا ستفاوضها وهي ماضية فيه، وإذا اتفقتا فالاتفاق على حساب العرب وحدهم. - الاخوان المسلمون أقاموا صلات مع ايران أيام آية الله الخميني، وهي صلات توقفت أيام محمد خاتمي، خصوصاً بعد 11/9/2007، وعادت مع أحمدي نجاد. وهل يعقل أنني أعرف هذا ولا تعرفه دول عربية؟ - السياسة الأميركية، قبل باراك أوباما، هي التي جمعت ايران الشيعية مع الاخوان المسلمين، غير أنه زواج مصلحة لن يدوم، والخوف منه أو القلق غير مبرر. وأعرف أن كلامي السابق سيغضب كثيرين، فأزيد نقطة عن موضوع مختلف، ستغضب مزيداً من أصحاب القضايا. الرئيس محمود عباس ليس خائناً، لم يفرّط بشيء، ولم يوقّع على شيء، ولن يتنازل عن شيء، والأيام بيننا. وكل من يتهم «أبو مازن» بالخيانة هو خائن أو في نية الخيانة، إذا وجد سعراً مناسباً، لأنه يعتقد أن الآخرين قادرون على ارتكابها. ورأيي في الرئيس محمود عباس هو رأيي في الأخ خالد مشعل إذا تعرض لاتهامات مماثلة. أقبل الاعتراض على سياسة فتح أو حماس، وأنا أعترض، ولكن أسحب تهم الخيانة على أصحابها.