أكد خبراء صندوق النقد الدولي في دراستين بحثيتين تحليليتين أن دول مجلس التعاون الخليجي الساعية إلى إرساء دعائم وحدة نقدية فيما بينها، ووضعت في مرحلة مبكرة من التأسيس بداية ثمانينات القرن الماضي مسألة تحقيق الاندماج بين اقتصاداتها وقطاعاتها المالية في مقدم أهدافها، تتمتع بقدر «لا يستهان به» من الاندماج المالي الذي تؤكده مجموعة من مؤشرات الاقتصاد الكلي. وحقق مجلس التعاون الذي يضم السعودية والإمارات والكويت وقطر وعمان والبحرين خطوات متقدمة على صعيد الاندماج الاقتصادي، بدأت بإزالة القيود من أمام حركة البضائع وانتقال العمال الوطنيين ورأس المال، وتعززت بتوحيد التعرفة الجمركية الخارجية في 2003 ثم توجت في 2008 بإنشاء سوق مشتركة تمنح مواطني الدول الأعضاء معاملة متكافئة في النشاطات الاقتصادية كافة. لكن خبراء الصندوق أوضحوا أن دمج الاقتصادات الخليجية لا يقل أهمية عن الاندماج المالي، مشيرين على سبيل المثال لا الحصر إلى أن أعضاء المجلس يشتركون في أنهم دول رئيسة مصدرة للنفط، بأسعار صرف ثابتة (جراء ارتباطها بالدولار أو سلة عملات ترتكز على الدولار) ما يجعلها عرضة لتطورات تهدد اقتصاداتها خصوصاً تقلبات أسعار الخام العالمية. ولفت الخبراء إلى اتفاق دول المجلس على معايير أساسية للاندماج المالي، لم يتم تبنيها رسمياً بعد وتنص على ألا يزيد معدل التضخم عن المتوسط «المرجح» لمعدلات التضخم في الدول الأعضاء زائد نقطتين مئويتين، وألا يتجاوز معدّل الفائدة أيضاً متوسط أسعار الفائدة الثلاثة الأدنى زائد نقطتين مئويتين، وألا يقل احتياط العملات الصعبة عن أربعة أشهر من الواردات، وألا يتجاوز العجز المالي 3 في المئة من الناتج المحلي إضافة إلى تحديد الحد الأقصى للدين العام ب 60 في المئة من الناتج المحلي. واستنتجت دراسة تحليلية نشرها الخبراء الاثنين الماضي أن دول المجلس تشترك في مجموعة من مؤشرات الاقتصاد الكلي تتعلّق بالاندماج المالي وعلى رأسها النشاط الاستثماري. فعلى رغم شح المعطيات، رصدت الدراسة علاقات استثمارية قوية قائمة بين الدول الأعضاء، مستدلة عليها بارتفاع حصة الأسهم الخليجية في المحافظ الاستثمارية البحرينية من 5 في المئة في 2004 إلى 30 في المئة في 2007 وفي المحافظ الكويتية من 37 إلى 58 في المئة. ولم يستبعد الخبراء احتمال تأثر أحجام الحصص الاستثمارية بالتطورات الدراماتيكية التي شهدت تحليق القيمة السوقية للبورصات الخليجية من 117 بليون دولار في 2003 إلى أكثر من تريليون دولار نهاية 2007 لكنهم أشاروا إلى أن هذه التطورات عززت العلاقات الاستثمارية لدول المجلس على صعيد نشاطات التملّك والدمج التي ناهزت قيمتها الإجمالية للصفقات المبرمة، بخاصةٍ في الكويت والسعودية والإمارات، وخلال الفترة ذاتها 26 بليون دولار. ومع استعادة أسواق المال الخليجية جزءاً كبيراً من الخسائر التي لحقت بها إبان أزمة المال العالمية، وانعكست في انخفاض قيمتها السوقية إلى 600 بليون دولار نهاية 2008 قبل أن تعاود الارتفاع إلى 720 بليوناً في 2009، توقع خبراء الصندوق ازدياد تدفق رأس المال الخليجي (الاستثمارات السهمية) عبر حدود دول المجلس في المدى المتوسط على رغم ملاحظتهم أن هيمنة المصارف التجارية على قطاعات المال الخليجية تحد من أهمية هذه التدفقات. لكن الخبراء شددوا في دراسة منفصلة نشروها الأسبوع الماضي على أن الدور المركزي الذي تلعبه المصارف التجارية في دول المجلس، ساهمت في حماية قطاعات المال الخليجية من الآثار الكارثية لأزمة المال العالمية، نظراً إلى ما تمتاز به هذه المصارف من خصائص مشتركة مثل موقفها المتين على صعيد رأس المال وتركيز نشاطها في السوق المحلية واعتمادها شبه المطلق على النشاط المصرفي التقليدي الذي ينحصر في الإيداع والإقراض الخاصين وضعف ارتهانها النسبي إلى الأصول والالتزامات الأجنبية. ووفقاً للدراسة الأخيرة، تنفرد السعودية والإمارات مجتمعتين بنحو 75 في المئة من أصول المصارف التجارية الخليجية التي تصل قيمتها إلى 1.2 تريليون دولار وبنحو 70 في المئة من رأس المال الإجمالي الخليجي المقدر بأكثر من 130 بليون دولار. إلا أن المصارف السعودية التي يبلغ نصيبها من رأس المال والأصول والأرباح المصرفية الخليجية 30 و23 و38 في المئة على التوالي تمتاز بأقل نسبة (8.6 في المئة) من الانكشاف على الأصول والالتزامات الأجنبية.