في الحلقة التاسعة من برنامج «شاهد على العصر»، على قناة «الجزيرة»، يستفسر مقدم البرنامج أحمد منصور من ضيفه عبدالكريم النحلاوي قائد الإنقلاب الذي أنهى الوحدة بين سورية ومصر بقوله: «أنا فوجئت.. خالد العظم وأكرم الحوراني في مذكرات كل منهما يقولون: حركة 28 أيلول 1961 قوبلت بالتأييد من أكثرية الشعب والجيش ما عدا مجموعات صغيرة خلفتها أجهزة الاستخبارات المصرية في سورية، هو الشعب السوري ده إيه؟ يوم يطلع لعبد الناصر يبوس، لا مؤاخذة، حذاءه ويشيل عربيته من عالأرض، وبعد شوية يطلع يؤيد الناس اللي ضد عبد الناصر؟! فيرد النحلاوي: «الشعب السوري واقعي...»، فيقاطعه منصور «مش واقعي، ده شكله شعب عاطفي وينضحك عليه»! أثارت هذه العبارات التي تفوّه بها منصور استياء السوريين الذين بدأوا حملة، عبر منابر إعلامية، ضد منصور، موجهين له اتهامات لا تحصى من «الأصولية المتزمتة» الى «العمالة»، وطالب بعضهم ب «تقديم اعتذار»، وآخرون بمحاسبته، ورفع دعوى قضائية ضده، ناهيك عن الاحتجاج الرسمي الذي عبّر عنه وزير الإعلام السوري محسن بلال. مهنياً، أخطأ منصور، فمن المعروف إنه يقدم نفسه، مراراً، كطرف سواء في برنامجه «بلا حدود»، أو في «شاهد على العصر»، لكن أحداً لم يكن يتوقع أن يصل به «التمادي والاستعلاء» إلى حد وصف السوريين بهذه الصفات التي لا تعبّر، بأي حال، عن سياسة قناة «الجزيرة» القطرية التي حذفت، إثر رد الفعل الغاضب، العبارة المتعلقة ب «بتقبيل الحذاء» من «نص الحلقة» المنشور على موقعها الإلكتروني، وهنا أيضا يطرح سؤال حول دوافع القناة بتمرير هذه الفقرة منذ البداية، على رغم أن البرنامج مسجل، وهو ما يبعد احتمال «زلة اللسان». تقتضي المهنية أن يكون منصور محايداً، لأنه يعمل في مؤسسة هي، لوحدها، صاحبة الحق في انتهاج سياسة إعلامية معينة وتكريسها. علاوة على ذلك فإن اللغة العربية غنية وتنطوي على مئات التعابير التي تعطي المعنى ذاته. فكان بوسع منصور أن يصوغ سؤاله «المهين» ذاك، بمفردات أخرى، لكنه استخف بمشاعر ملايين السوريين، مثلما يستخف أحياناً بضيوفه ومشاهديه فطرح أسئلة لا تنم عن «فضول صحافي» بمقدار ما تعبّر عن نمطية باتت مملة. والواقع أن هذا الجدال يطرح سؤالاً حول حدود الإعلامي في توظيف المؤسسة الإعلامية التي يعمل بها، لطرح أفكاره وآرائه الشخصية، ولئن علمتنا النظريات الإعلامية بأن هذه الآراء ينبغي أن تتراجع أو تختفي لمصلحة سياسة المؤسسة، إلا أن منصور كسر هذه القاعدة، «بلا حدود»، وأساء إلى التقاليد الصحافية. والأرجح أن «الاعتذار المنتظر» لن يجدي نفعاً إزاء مسألة بهذه الحساسية. فهل سيختفي منصور من شاشة الجزيزة كما يطالب السوريون؟ أم ان هناك «تسوية إعلامية» مفاجئة سيقترحها المشهد الإعلامي العربي المضطرب والمرتبك؟