كشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية في تحقيق نشرته الثلثاء الماضي أن جهات أميركية خاصة ضخت بين عامي 2009 و2013 ومن خلال جمعيات غير ربحية تتخذ من الولاياتالمتحدة مقراً لها أكثر من 220 مليون دولار معفاة من الضرائب لتمويل بناء المستوطنات في الضفة الغربية، على رغم رفض الحكومات الاميركية المتعاقبة رسمياً بناء المستوطنات، معتبرة أياها غير شرعية. وأظهر التحقيق الذي موّله "مركز بوليتزر لتغطية الأزمات" واستمر طيلة العام الماضي، أن هذه المنظمات قدمت تبرعات فردية خُصصت في معظمها لشراء عقارات ووسائل راحة منزلية، بالإضافة إلى دعم أسر مستوطنين دينوا بقتل فلسطينيين. ولفت التحقيق إلى أن تلك المنظمات تدعم مؤسسات ومعاهد دينية يهودية، وتسهم في بناء مرافق تربوية واجتماعية في المستوطنات، مثل منتزه مستوطنة «غوش عتصيون» بين مدينتي الخليل وبيت لحم. وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» كشفت في العام 2010 أن منظمات أميركية منحت مستوطنين أموالاً معفاة من الضرائب بقيمة 200 مليون دولار خلال السنوات ال10 الماضية، إلا أن تحقيق "هآرتس" كشف أن المبالغ أكبر منذ ذلك، إذ قُدر دخل هذه المنظمات، وغالبيتها يمينية، خلال الأعوام من 2009 إلى 2013 ب281 مليون دولار أميركي، تم تحويل 224 مليوناً منها مباشرة إلى المستوطنات عبر مؤسسات غير ربحية اسرائيلية. وأوضح التحقيق أنه في العام 2013، جمعت هذه المنظمات 73 مليوناً منحت منها 54 مليوناً إلى المستوطنات، لافتاً إلى أنه في العام نفسه، منظمة «هونينو» المتخصصة في تقديم الاستشارات القانونية لمستوطني ونشطاء اليمين، إذ قدمت منحة لأسرة عامي بوبر الذي قتل سبعة عمال فلسطينيين في العام 1990، وخصّصت أموالاً لأعضاء خلية «بات عاين» التي حاولت تفجير قنبلة في مدرسة للبنات في القدسالشرقية العام 2002. وتضم المنظمات المموِلة في الضفة مؤسسة "هيبرون فند" التي تتخذ من مدينة نيويورك مقراً لها، والتي حوّلت بين عامي 2009 و2014 نحو 5.7 مليون دولار إلى مستوطنات مدينة الخليل بواسطة جمعية «إعادة إحياء الاستيطان اليهودي» في المدينة، والتي ترأسها بين عامي 2010 و2012 مناحيم ليفني، أحد قادة التنظيم السري اليهودي الذي نشط في ثمانينات القرن الماضي، ودين بقتل ثلاثة طلاب جامعيين فلسطينيين، وإصابة رئيس بلدية نابلس في حينه بسام الشكعة ورئيس بلدية رام الله كريم خلف. ومن المؤسسات المتبرعة الأخرى، "سنترال فند اوف إسرائيل" (الصندوق المركزي لإسرائيل) الذي يتخذ من مدينة نيويورك مقراً له أيضاً، والذي زادت عائداته في العام 2013 على 19 مليون دولار. ومن المؤسسات التي يدعمها هذا الصندوق، مدرسة "يوسف لا يزال حيا" الدينية الناشطة في مستوطنة يتسهار جنوب مدينة نابلس، والتي يديرها يتسحاق شبيرا ويوسف اليتسور صاحبا كتاب «توراة الملك» الذي يحدد الظروف التي يُسمح فيها قتل غير اليهود. وأشار التقرير إلى انه على رغم الدعم الذي تقدمه هذه المؤسسات الاميركية، فإن إسرائيل تغطي معظم نفقات بناء وإدامة المستوطنات، في وقت يعتبر فيه الدعم الأميركي مساعدة إضافية. وتُشير مصادر إلى أن غالبية المنظمات الأميركية البالغ عددها أكثر من 200 منظمة تتمركز في نيويورك، وذلك لأنها الولاية الأكثر احتواء لليهود البالغ عددهم حوالي مليون نسمة أو يزيد، من إجمالي يقترب من 5.5 مليون يهودي في شتى أنحاء أميركا، ما يعني أن نحو ربع اليهود في أميركا تحتضنهم نيويورك وضواحيها، وأن حوالي 2 في المئة من سكان الولاياتالمتحدة يهود. وأوضح التحقيق أن من بين الداعمين أيضاً أشخاصاً مولوا رئيس الوزراء الإسرئيلي نتانياهو الانتخابية، فيما يتبرع آخرون إلى الحزب الجمهوري الاميركي. من جانبها، دعت الخارجية الفلسطينية «منظمات حقوقية عربية ودولية إلى ملاحقة ومسائلة هؤلاء قضائياً لارتكابهم جريمة حرب وفق القانون الدولي». وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية أصدرت في الثالث من كانون الأول (ديسمبر) الجاري وثيقة شرعنت الاستيطان باعتباره خطوة «لا تتعارض مع القانون الدولي»، وتعتزم الوزراة تعميمها قريباً على جميع سفاراتها مترجمة إلى لغات عدة، وفق ما ذكر موقع «عرب 48 الإلكتروني». واعتبرت الوثيقة أن «إسرائيل لها حقوق ملكية» في الضفة الغربية التي «لم تكن تحت سيادة قانونية لدولة ما» عندما استحوذت عليها أثناء «حرب دفاعية»، نافية إقامة إسرائيل «نظاماً استعمارياً» في الضفة الغربية. ولفتت إلى وجود «علاقة يهودية منذ آلاف السنين مع هذه المنطقة»، وإلى أن "الشرائع الدولية التي تحظر نقل سكان من دولة الاحتلال إلى المناطق الخاضعة له «ليست سارية المفعول، خصوصاً أن المستوطنات أقيمت تحت إشراف المحكمة العليا». وتستند هذه الوثيقة إلى تقرير شرعنة التجمعات الاستيطانية الذي أعدته لجنة حكومية برئاسة قاضي المحكمة العليا السابق، إدموند ليفي الذي دعا إلى ضم الضفة الغربية إلى إسرائيل. وتحذر جهات في إسرائيل من أن هذه الوثيقة تنطوي على مخاطر منها دعوة معظم الدول المعارضة للاستيطان الإسرائيلي إلى الدفاع عن موقفها أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وبحسب منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية، فإن 2014 هو الأسوأ في نسب مصادرة الأراضي الفلسطينية والترخيص لبناء وحدات استيطانية في الضفة الغربيةوالقدسالمحتلة، موضحة أن الفترة التي شغلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ 2009 إلى 2014 شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في بناء المستوطنات بنسبة 40 في المئة عن السنوات السابقة. وأفادت إحصاءات صادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية أن عدد المستوطنين في الضفة الغربية ارتفع أربعة في المئة خلال العام 2014، ليبلغ حوالي 400 ألف مستوطن جلهم في منطقة «ج» تشكل 61 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وتخضع بالكامل إلى السيطرة الإسرائيلية الأمنية والإدارية. ولم تتضمن الإحصاءات 200 ألف مستوطن في القدسالمحتلة. وتعد مستوطنتا «موديعين عيليت» غرب مدينة رام الله، و«بيتار عيليت» جنوبالقدسالمحتلة الأكثر كثافة بواقع 64.862 و49.580 مستوطناً على التوالي، ثم تحل «معالي أدوميم» شرق القدسالمحتلة ثالثة بحوالي 40 ألف مستوطن.