يرى بعض القانونيين أن قضايا العقود الصورية تنبش خلافات ما تلبث أن تظهر للسطح بعد فترة وجيزة، وهي سبب من أسباب اهتزاز أركان الثقة وخصوصاً بين الزوجين اللذين ينتمي أحدهما لدولة تتميز بميزات لا يستطيع الآخر الحصول عليها، كالاستثمار أو المعاملات المصرفية. ويلجأ بعض المدينين للالتفاف على نظام التملك الذي ينحصر على المتمتع بالجنسية السعودية، أو للإفلات من الديون بعقود صورية يثبت من خلالها الفاعل أنه لا يملك ملكاً يخوله دفع ديونه المطالب بها، ويجرّ العقد الصوري بعض الطامعين لإنكار حق متفق عليه بين متعاقديْن. «الحياة» تطرح القضية للنقاش، وتسأل قانونيين عن الأصل في العقود الصورية ومدى قانونيتها، وكيف يثبت أحد الأطراف حقه في العقد الذي ربما ينكره الطرف الآخر لأطماع راودته، وهل قضايا العقود الصورية تمثل ظاهرة تستحق الوقوف عندها. فبينما قلّل محامٍ سعودي من قضايا العقود الصورية بين السعوديات المتزوجات من أجانب والعكس، أكد المحامي أسامة النامي في تصريح إلى «الحياة» أن «قلتها لا تغني عن حاجتها للدرس والوعي»، لافتاً إلى أن «توجه بعض الأزواج إلى توقيع عقود صورية مع السعوديات نوع من التفادي أو الالتفاف على نظام تملك غير السعودي، أو التصرفات التي تعد حصرية ومقننة لمصلحة المتمتع بالجنسية السعودية دون الأجنبي مثل المميزات المصرفية أو الاستثمارية». وأضاف: «يعتمد ذلك على العلاقة بين الزوجين ومقدار الثقة بينهما مع وجود الاختلافات الشرعية القانونية عن مشروعية هذا التعامل من عدمه، والتي تعتمد على السبب أو الهدف من وراء تلك المعاملة التي تتخذ أكثر من مسار بحسب كل حالة وظروفها ونتائجها وما تنتهي إليه، فيما لا يعد الأمر ظرفاً أو تحدياً يسترعي الوقوف، ويترك الرأي لما نظمه المشرِّع الكريم بخصوص الاتجاه القانوني لهذا الشأن». وقال: «العقود الصورية تستقدم الوهن في العلاقة العقدية بين طرفيها، ما يسبب أحياناً كثيرة التورط في مشكلات قانونية، أو تحفيز بعض الصفات السيئة داخل الإنسان من طمع أو إنكار حق أو التواء على قانون، وربما تنتقل تلك الصفات المترتبة على صورية العقود إلى علاقة أشد تعقيداً وأكثر حساسية، وهي علاقة الزوجين اللذين تهتز الثقة بينهما بسبب التداخلات التجارية أو التعاملات المادية، وخصوصاً حين يكون الزوج أجنبياً». ووصف القضية ب«المعضلة في حالات»، موضحاً أن «عدم وجود أدلة كتابية تثبت صورية العقد كفرضية، كثيراً ما تتسبب في تعطيل القضاء بإدعاء حقوق لا أصل لها، وإن جاز لنا عقد مقارنة بين الإجراءات الشرعية الإثباتية والمدنية، فإنه ينص صراحة ألا تقبل دعوى صورية إلا بدليل كتابي يكون ضداً لهذا العقد، إذ إن الشريعة الإسلامية لم تقيّد القرائن على أن تكون كتابية فقط، ولكنها سمحت بإجراءات أخرى، وهي محاولة للتقليل من بعض الدعاوى الكيدية التي تتسبب في تعطيل القضاء باستهلاك وقته، ما يتسبب بدوره في تعطيل حقوق المتقاضين الآخرين». وأكد النامي أن العقود الصورية اتفاق طرفين أو أكثر من طرف على إجراء تعاقد أو معاملة قانونية تكون ظاهرة ومثبتة، لكنها غير حقيقية ولا تنصرف آثار التعاقد عليها، وأوضح: «لأن هناك عقداً آخر أو ورقة مخفية والمراد به الأثر الحقيقي لذلك، فإن العقد الأول هو الذي يطلق عليه العقد ضد الصوري لأنه غير المقصود بالأثر»، وأتى بمثال: «بيع أحدهم للآخر بعض ممتلكاته بطريقة صورية ليفوت على الدائنين استيفاء حقوقهم منه، كستار يستوجب وجود عقد آخر باطن حتى يعطل العقد الصوري، أو ما يسمى بورقة تضمن حماية المستفيد من الطرف الآخر، ومن الممكن أن يشمل العقد الباطن بعض البنود التي تعطّل العقد الصوري أو تلغيه مثل بيع أحدهم شيئاً بعقد صوري، فيما أن العقد الباطن يبيع العين المباعة نفسها إلى المالك في العقد الصوري، ويتضح من ذلك أنه بالإمكان أن يكون العقد الصوري ذا أهداف مشروعة كحماية حق أو ما تستدعيه الضرورة مثل بعض المعاملات التجارية، إذ يرتبط بعض الشركاء بعقد باطن لكنهم يستترون من الآخرين، فتكون معاملات الشركة مع الغير بين طرف واحد أو أكثر بما يشمله العقد الصوري، وتسمى بشركة المحاصة». وحدد العقود الصورية بنوعين، وأوضح أنهما «صورية مطلقة ونسبية، فالأولى تنصب على وجود التصرف ذاته فيكون التصرف الظاهر لا وجود له من البداية كالبيع الصوري حال أراد المالك أن يفوت حق الجار في الشفعة بأن يعقد عقد هبة صوري والباطن بيعاً، أما الصورية النسبية فهي التي لا تنصب لا على وجود التصرف، وإنما على ماهية التصرف أو على أحد عناصره كركن أو شرط فيه أو تاريخه أو أحد أطرافه، كأن يكون العقد الصوري بمبلغ أكبر مما يشمله العقد الباطن، بغرض تعجيز المطالب حق الشفعة، بعكس صيغ البيوع ومنها البيع العرفي الذي يعرف بأنه بيع اكتملت أركان كتابته بين الطرفين والإيجاب وغيره، ولكن يفتقد التسجيل أمام الدوائر الرسمية، فعقد البيع العرفي عقد حقيقي تنصرف آثاره على الطرفين والعين المباعة، ولا إبطال له إلا بإنكار أحد الطرفين أو إثبات تزوير توقيع أو الإقرار بالجهالة وغيرها من الطرق، لكنه في صلبه عقد صحيح وواقعي بخلاف العقد الصوري». وأضاف: «من الأشياء الغريبة أن العقد العرفي على رغم صحته يمكن أن يكون باطلاً بادعاء أحد طرفيه، والصوري على رغم صوريته إلا أنه يمكن أن يكون صحيحاً قانونياً، طالما لم يأت أحد الأطراف بدليل كتابي أو أية قرينة أخرى تدل على صورية العقد، مثل عقد مضاد أو ورقة مضادة أو عقد باطن موقع من الطرفين من شأنه أن يزيل آثار العقد الصوري أو يخففه أو يغيّره». وزاد: «من هنا نعرج على كيفية تعامل القضاء السعودي مع دعاوى صورية العقد، وهي دعاوى لا تخرج عن إطارين، إما أن أحد طرفي العقد الصوري راوده مطمع أو خالف ما نص عليه العقد الباطن بينهما، بتمسكه بصحة العقد الأول على رغم صوريته، أو أن العقد صحيح وادعى أحد الطرفين ظلماً وجوراً بصوريته، وفي الحال الأولى يمكن إثبات صورية العقد طالما أن هناك دليلاً كتابياً أو أية قرينة أخرى تنقض العقد الأصلي، وكذلك فإنه في الحال الثانية تحل الدعوى أمام القاضي بسهولة إذا أتى الطرف المصمم على صورية العقد بدليل يثبت ذلك». وفي السياق ذاته، أكد المحامي طارق الخميس أن المتضررين من البيوع الصورية في أغلب الأحوال «هم الدائنون وأصحاب الحقوق للشخص الساعي إلى إبرام هذه البيوع»، نافياً أن تكون قضايا العقود الصورية ظاهرة، وأوضح: «ليست ظاهرة متفشية في المحاكم السعودية، إذ إن أغلب عقود البيع صحيحة». واستعرض أسباب التوجه للبيوع الصورية وقال: «عدم احترام الحقوق العامة والخاصة، وعدم الالتزام بالصدق في المعاملة، ووضع حلول تتضمن التعامل بما أمرنا به الشرع الحنيف، من أن صدق المتبايعين يُحِّل البركة في بيعهما، وفي المقابل فكذبهما يمحق تلك البركة، فالقصد العام من جمع المال هو البركة». وعرف البيوع الصورية على أنها «التي تنطوي على تصرف ظاهر يخفي منه المتعاقدان وضعاً حقيقياً، وربما يلجأ المتعاقدون إلى الصورية عندما يريدان إخفاء حقيقة ما تعاقدا عليه بسبب قام عندهما». وأضاف: «الأصل هو الأخذ بالتصرف الظاهر إلا إذا أثبت صاحب المصلحة التصرف الحقيقي، وعليه يقع عبء الإثبات». ويرى الخميس أن تعامل القضاء في مثل هذه الحالات «إذا استخلص قاضي الموضوع إرادة المتعاقدين الحقيقة لا الظاهرة، أنزل عليهما حكم القانون، وهي تخضع لرقابة القاضي، إذ العبرة بالنيات لا الألفاظ، فالأمور بمقاصدها والعبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني». وذكر الخميس مثالاً وقال: «شخص يريد أن يتوقى من دائنيه خوفاً من أن ينفَذوا إلى شيء يملكه، فيلجأ لبيع هذا الشيء بشكل صوري إلى شخص يتفق معه على ذلك، ويكتبان بالبيع عقداً ظاهرياً، ويكتبان في الوقت نفسه سنداً مستتراً يذكران فيه أن البيع لا حقيقية له». وحول البيع العرفي قال: «هو البيع المبرم بين الأفراد في ورقة عادية غير رسمية، وتناول نظام المرافعات الشرعية في مادته ال(139) تعريف الأوراق الرسمية التي يثبت فيها موظف عام أو شخص مكلف بخدمة عامة ما تم على يديه، أو ما تلقاه من ذوي الشأن، أما الورقة العادية فهي التي يكون عليها توقيع من صدرت منه أو ختمه أو بصمته». البيوع الصورية هي التي تنطوي على تصرف ظاهر يخفي منه المتعاقدان وضعاً حقيقياً. عائلة هند: رضينا بنصف حقنا بسبب عقد صوري منذ 40 عاماً تعيش عائلة هند في السعودية، لكن الجنسية حالت بين عائلتها وإمكان تملكها للاستثمار، تقول هند: «حينها كان سعر الأراضي رخيصاً، قام والدي بشراء قطعة أرض، وكتبها باسم صديقه السعودي الوفي، وكتبا بينهما عقداً صورياً يضمن لوالدي تملكه قطعة الأرض». وأضافت: «مرت الأعوام وتوفي صديق والدي، وبقيت قطعة الأرض معلقة حتى قرر الورثة بيعها، وحين بلغت قيمتها نحو نصف مليون، فاوضوا والدي على أخذ مبلغ بسيط منها أو لا شيء، فما كان منه إلا أن وافق على شرطهم أو يخرج خائباً». وأضافت: «إنها معضلة كبيرة حين لا يحمي العقد المتستر أملاك المالك الحقيقي، إذ إن القانون لا يحمي المستثمر الأجنبي الذي وضع حلاله باسم مستثمر يحظى بامتيازات الوطني».