مرة أخرى نعود إلى الضمان الاجتماعي وضماننا في هذا المقال هو الأمل: أن في بلدنا الحبيب قلوباً مليئة بالمشاعر الطيبة تحب الخير وتسعى له على رغم ما يناط بها من أمور جسام. وأن وجود فروع هيئة الضمان الاجتماعي في المدن وعلى رغم ما يرصد لهذا الضمان من مبالغ ضخمة لا تفي في الحقيقة بالغرض، ولا تقترب، فالفقر والحاجة القاهرة ظاهرة للعيان، على أجنحة المدن وفي قلوبها - أعني قلوب المدن وليس قلوب الناس - فقلوب الناس ملأى في الحقيقة بالألم وهم يشاهدون - إذا أرادوا أن يروا - الفقر يكشر عن أنيابه وأظافره في وجوه أولئك الذين أعيتهم الحيل للتخلص من تلك الأنياب والأظافر الطويلة، فالرواتب إن وجدت - فكثير من أولئك المساكين ليست لديهم رواتب ولا غير رواتب - تكاد لا تفي بالمأكل والملبس ناهيك عن المواصلات ومستلزمات المدارس والكهرباء. تقول زوجة بان على وجهها التعب واليأس وهي تستمع إلى حديث عن رواتب الضمان وحلولها التي لا تأتي بحل، لأزمة المساكن: راتب زوجي 4000 ريال عداً ونقداً وعدد أولادنا خمسة، ثلاث بنات وابنان، لهن متطلباتهن ولهم، وأنا ربة منزل وليس لي دخل! وفي هذه الحال لا يتبقى من راتب زوجي شيء لندفعه للإيجار. نحن لا نسكن في الشارع ولله الحمد لكن هناك من يطاردنا؛ إنه صاحب المسكن الذي نسكنه، وله الحق في ذلك، فهو المالك ونحن لا نملك إلا راتب زوجي الذي ينتهي قبل أن ينتهي الشهر. وينتهي اليوم الذي نتحدث فيه ولا نجد فيه حلاً وتظل قلوبنا تؤلمنا، ونحن نعود في اليوم الآخر وفي مقال آخر إلى الحديث عن الضمان الاجتماعي الذي لم يضمن لها العيش الكريم مع أسرتها كما تقول، تقول ساخرة بألم: «لا يحق لنا منه شيء، فنحن لسنا ممن يحق له الانضمام إليه، أليس لدينا راع كما يقول نظام الضمان؟!». تعود الأم والزوجة التي ليس لديها راتب ولا يكفي راتب زوجها لتسديد إيجار السكن لتقول: «ضمونا إليه بأي شكل ترضونه، أسكنونا في سكن لا يطاردنا صاحبه، ولا قدرة لنا على الهروب، ثم إلى أين نذهب؟». وأقول: «سؤال وجيه، إلى أين يذهبون؟ أين يذهب أولئك الذين لا يملكون رواتب، أو يحصلون على رواتب تكاد لا تفي بالضروريات الإنسانية؟». إنه الضمان مرة أخرى، نعود إليه مرة ومرة إنه الأمل. ولم لا؟ بإمكاننا أن نرصد جزءاً من أموال الضمان الاجتماعي وأن نضيف إليه موازنة مقتطعة خصيصاً لبناء مساكن مخصصة لذوي الرواتب القليلة إضافة إلى من تشملهم رواتب الضمان. وقد تسألون عن الأرض، والجواب: إنها موجودة بلا شك وتنتزع من أمانات المدن ومن الأراضي النائمة على أجنحة المدن في انتظار أن يأتي لها من يدفع أكثر حتى تطير! [email protected]