جاء مؤتمر الإرهاب نواة لمشروع فكري لمحاربة الغلو والتطرف شارك فيه علماء شرعيون وإختصاصيون نفسيون وباحثون اجتماعيون للخروج بخطط استراتيجية لمكافحة التطرف واجتثاثه، العالم كله ليس الوطن فحسب يترقب هذا المشروع، ومسؤولية الجامعة الإسلامية كبيرة في رفع التوصيات، وتشكيل لجان متابعة لمتابعة تنفيذها، حتى لا تظل تلك التوصيات حبيسة الأبحاث، مع ما أنفق عليها من جهود وأموال. ففي مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي أروقة الجامعة الإسلامية الجامعة التي لا تغيب عنها الشمس وبحضرة المسؤولين، وبرعاية رجل الأمن الأول الأمير نايف بن عبدالعزيز - حفظه الله -، أكد المشاركون أن التعامل مع التطرف والغلو تعامل فكري بالدرجة الأولى، يعززه الموقف الأمني من طريق إيقاع العقوبة بالبغاة والمفسدين لا العكس، ذلك أن تصرفات أفراد هذه الجماعات كانت مبنية على تصورات خاطئة، ولوأد مثل هذه التصرفات الحمقاء نحتاج إلى تصحيح التصورات الخاطئة التي تحتاج منا إلى رؤية عقلانية مؤصلة تعتمد على فهم نصوص الكتاب والسنة والاستقراء العلمي للتاريخ وفهم الواقع ورصده، لتقديم حل للأزمة، لأن التطرف مثل أي سلوك ينمو ويتطور إذا توافرت له بيئة تقوم على مكونات عدة مع تفاوت بينها في الأولوية منها الديني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني، والحل الأمني يضيق من حركات التطرف والعنف لكن لا يقضي عليها، ولذا فإن تركها من دون اجتذاذ أصلها يجعلها تعاود الخروج حين تجد منفذاً لها أو تبقى بفكر منحرف يسهم في تغيير قناعات الناس وتشويش أفكارهم، ومجرد الاكتفاء بالتنديد والاستنكار أو ترديد أقوال أصحاب الخلية لا يسهم في تقديم حلولٍ لأزمة فكرية، أو تغير قناعات لشبهات أهل هذا الفكر، ولا يقدم مشروعاً بنّاء يسعى المجتمع لتنفيذه، وإنما تمثل خطابات التنديد والاستنكار مجرد براءة من فكر، واستهجان لتطرف، وتعامل سطحي مع الأحداث يكتفي بالمرور على سطح المشكلة من دون الغوص في مكنوناتها وأسبابها. إن علاج التطرف والإرهاب يرتكز في البداية على التجرد من ذهنية المأزق، والحرص على طرح القضية باعتدال وموضوعية والابتعاد عن الذاتية، من دون تقليل من شأن المشكلة ولا تضخيم لها، لأن في ذلك إرخاصاً للدماء وترويعاً للآمنين، والتضخيم لها وإعطاؤها صورة أكبر من حجمها تشجيع مبطن للجماعات الإرهابية وطعن خفي في أجهزة الدولة الحكومية، وتصوير للوطن بأنه حقل ألغام للخلايا الإرهابية وظلم لمجتمع بأكمله باعتباره البيئة الراعية للتطرف والمفرخة لجذور الإرهاب، وتصويره بذلك على شاشات القنوات الفضائية من بعض من تربى فيه، وترعرع في خيراته، يصدق عليه قول الشاعر: أعلّمه الرماية كل يوم ... فلم اشتد ساعده رماني وكم علّمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني ومن العجائب أنك تجد من ينال من المملكة ومواطنيها لا يحمل من المؤهلات والخبرات إلا معايشة التطرف بنوعيه. إن على كل طارح لقضية التطرف والغلو أن يتبنى المنهج العلمي في دراسة الوقائع والأحداث وأن يبتعد من الذاتية والرؤى الشخصية، وأن يعتمد على لغة الأرقام والإحصائيات لا الأفلام والخيالات، لأن المتاجرة بمستقبل الوطن جرم، وتحويل المستقبل الوطني إلى مقامرة تهدف لاقتناص المكاسب خطيئة، لقد عبر شفيق الغبرا عن أهمية إصدار الأحكام، والتعبير عن المشاعر بتأكيده على الحاجة الماسة إلى علوم اجتماعية تقول لنا: «إن حالنا ليس كما يجب أن يكون، بل نحن بحاجة إلى علوم تقوّم وتنتقد أوضاعنا لا بحدة التأثير وعنفوان الشباب، بل بتفحُّص العالِم وهدوء المفكِّر ونصْح الصديق». إن عدد أفراد المملكة يزيد على 22 مليوناً، يبلغ عدد المواطنين فيه 72,9 في المئة من العدد الإجمالي، والبقية من المقيمين، فكم يشكل عدد المتطرفين والإرهابين من نسبة في هذا الوطن المبارك؟ لنسعى جميعاً لرفع شعار العدالة والموضوعية في طرح قضايانا ومواضيعنا، ولنخرج من صوت العاطفة إلى صوت العقل، ومن الرؤى الشخصية إلى الدراسات العلمية التي تعكس وعي مجتمع ينهج البحث العلمي في معالجة قضاياه. nwal _al3eed @hotmail.com