لم يصل أكثر من 80 باحثاً وباحثة إلى حل جذري لإشكال وتداعيات الإرهاب كما يرى المراقبون، على رغم انتظامهم على مدى ثلاثة أيام تحت مظلة الجامعة الإسلامية، لمناقشة ما يزيد على مئة أطروحة ومداخلة عن الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف، قدمها متخصصون شرعيون وأمنيون.وتوغلوا عميقاً في التنظير من خلال ست جلسات يومية، راوحت أوراق العمل فيها بين 10 و12 ورقة، واستقطعت من وقت الحضور بين 8 و10 ساعات مليئة بالرؤى والأطروحات المشخّصة لكل الداء والواصفة لبعض الدواء، إذ ان القضاء على الإرهاب مسؤولية جهات عدة، منها التنظيرية ومنها الميدانية، ولن يغني في توفير الحل السحري للمشكلة رسم بالكلمات والكتابة في الهواء ما لم يرافق القول العمل، ويوافق الكلام الحسام. من جهته، أوضح مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد العقلا أن اللجنة العلمية تلقت ما يزيد على 500 ملخص بحث لباحثين وباحثات من أكثر من 15 دولة، وتم فرز الملخصات وإخضاعها للتحكيم العلمي، ما أسفر عن إجازة 83 بحثاً تناولت ظاهرة التطرف ومنابعه ومخاطر الإرهاب والمعالجة الفكرية لهذه الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا وأرجع وكيل الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور إبراهيم الهويمل الغلو إلى أسباب منها تعدد مصادر التلقي وعدم حصرها في الكتاب والسنة وإلى الجهل بالدين والإعراض عن العلماء واتباع الهوى وشيوع المنكرات والفساد والظلم في المجتمعات، محملاً المجاهرين بالمعاصي مسؤولية تولد التيار المعاكس لمحاربة المنكر ودفعه، مؤملاً أن تحد شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الفتن والآثار السلبية للتجاوزات المجتمعية، لافتاً إلى أن المتشددين يرجحون احتمال الشر على احتمال الخير، ويعتبرون من يخالفهم متهماً في دينه. فيما ذهب رئيس جهاز التوجيه والإرشاد في الحرس الوطني الدكتور إبراهيم أبوعباة إلى أن التقصير في طرح بعض المسائل الكبرى وشرحها أحد أسباب الإرهاب، إذ ان عدم الوضوح في الطرح يولد الشبهات والإشكالات والأسئلة الحائرة المتلجلجة في صدور الشباب، ما يحفز المتربصين من دعاة السوء وعلماء الضلال ومواقع الانحراف إلى تلقف الشباب وتوفير الإجابات والرؤى الخاطئة والنظرة الفاسدة التي يترتب عليها الانحراف في المعتقد والفكر والسلوك. وألمح أبوعباة إلى أن من أسباب الإرهاب وجود الخلل في مناهج بعض الدعوات المعاصرة والجماعات والحركات والتنظيمات، إذ ان معظمها أو بعضها تركز على الجانب العاطفي من دون اهتمام بالتأصيل الشرعي متهماً العلماء والهيئات الشرعية ومناهج التعليم بالتقصير في مناقشة الشبه الواردة في أذهان الشباب ومعالجة المشكلة بالأساليب التربوية المناسبة لكل مرحلة. فيما يرى أستاذ القرآن وعلومه في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور بدر البدر أن التطرف ظاهرة مرضية تعبر عن حالة غضب واحتقان وخلل في النفس الإنسانية أو في الظروف المحيطة بها، مبدياً تحفظه على من يشخص أسباب الإرهاب من دون مراعاة لاختلاف المجتمعات في اتجاهاتها السياسية وظروفها الاقتصادية والاجتماعية وأحوال شعوبها الدينية، داعياً إلى التوقف عن الأخذ بظواهر النصوص من دون اعتبار لدلالة المفهوم ولا قواعد الاستدلال ولا الجمع بين الأدلة ولا مقاصد الشريعة مستنتجاً من بعض ممارسات المنظرين للتطرف قدرتهم على إيصال الشاب إلى حافة اليأس وترسيخ القنوط من رحمة الله، ما يشعر الشاب بأن الله سيعاقبه بالهلاك إن تراجع عن الفداء بنفسه، مؤملاً أن تهتم دور التربية ومراكز التنوير بإبراز محاسن الدين والأخلاق الإسلامية، ومنها الرفق والرحمة والتعاون والتسامح وحب الآخرين ومراعاة حقوق المسلمين والبعد عن الحكم بالأهواء الشخصية. من جانبهما، تناولت الأستاذتان في قسم الدراسات الإسلامية في جامعة أم القرى الدكتورة حصة بنت عبدالعزيز الصغير والدكتورة هناء الزمزمي آثار الجهل بالدين وسوء فهم النصوص الشرعية واتباع المتشابه منها، ما أدى إلى الغرق في دوامة الجدل والتحزبات السرية التي نتجت للخوارج من قراءاتهم الخاصة ومفاهيمهم الخاطئة، فأخرجوا النصوص عن الحقائق التي وضعت لها وفرقوا الأمة، وأوغلوا في نصوص الوعيد وأسرفوا في القول بالتحريم، فكفّروا الولاة وخرجوا عليهم بأمور فسقية لا تبلغ مرتبة الكفر. من جانبه، حمّل المدير العام لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الدكتور خلف العنزي الجانب الاجتماعي مسؤولية الفراغ الفكري، لافتاً إلى أن من أسباب الانحراف ضعف العلاقات الاجتماعية وتنامي المشكلات الزوجية وتفاقم الصراعات الأسرية وتزايد أعداد البطالة واتساع الفجوة التوعوية بين المرسل للمعلومة والمتلقي لها، مستشهداً بعدد من القضايا التي ضبطتها الجهات المختصة وتم إعلانها في الصحف. فيما يرى الداعية الدكتور سلمان العودة أن البيئة والظروف المحيطة هي المسؤولة عن توفير المناخ الملائم لانتشار فيروس العنف واتساع نطاقه، مشيراً إلى أن الإنسان قد ينتمي فطرة إلى وطن عاش على ثراه لكنه لا ينتمي إلى مؤسسات هذا الوطن، مبدياً تحفظه على محاصرة أنماط السلوك الشخصية لمجرد التشابه مع طائفة أو اتجاه ما يضر بمبدأ العدالة وحفظ الحقوق، داعياً مؤسسات الدولة إلى توفير المصالح والخدمات وحماية الفرد والجماعة والتوعية المتوازنة للمواطن بحقوقه وواجباته، وعدم مصادرة أو الحجر على الآراء، لافتاً إلى أن الأفكار حين يُحجر عليها تخمل وتخمد فتكون خلية نائمة أو تنفلت وتتمرد وتجند في خلية يقظة. ووصف العودة مؤتمر الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف ب «المبارك» في ظل جامعة مباركة، موضحاً أن الجامعة الإسلامية وفّقت في حشد هذا العدد الكبير من الباحثين من كل مكان ومن جميع البلاد للإسهام في معالجة الموضوع من كل أطرافه، مؤكداً على أهمية توصية تحديد مسؤولية الحكومات والخطاب الديني والأسرة والمدرسة، إذ بتضافر كل هذه الجهود يتم القضاء على الظاهرة. وأكّد العودة أن أهم مسؤولية ملقاة على كاهل المؤتمرات هي نشر الوعي بين الناس وإذكاء أهمية الموضوع وتنوير الطلاب، خصوصاً أن عدداً كبيراً من طلاب الجامعة الإسلامية تابعوا هذه الأطروحات، في فضاء مفتوح بعيداً عن الدوائر المغلقة. من جهته، أرجع أستاذ العلوم الشرعية في الجامعة الأردنية الدكتور سليمان الدقور الغلو والتطرف الديني إلى المناهج التربوية المفتقرة إلى مواد تبث روح الوسطية وثقافة التيسير ورفع الحرج، واصفاً بعض المناهج بالعجز عن إشباع الروح بالتسامح والتآخي والتآلف والتناصر، مستعيضة عن ذلك بنشر ثقافة التعصب للرأي والانتصار له وتخطئة الرأي الآخر ورميه بالضلال والبطلان وتكفير صاحبه لمجرد الاختلاف معه، وهذا من صور الغلو المذموم شرعاً. أما الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية العرب الدكتور محمد كومان فرأى وجود ارتباط وثيق بين الإرهاب والجريمة المنظمة، لافتاً إلى وجود تناغم وتكامل في المصالح بين الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، خصوصاً عصابات الاتجار بالمخدرات، واختطاف الرهائن، وغسل الأموال، والقرصنة البحرية، محذّراً من مغبة الارتباط الوثيق بين تلك الجماعات، المرتكزة على شبكة معلومات عالمية، تجيد تلك الجماعات التعامل معها عن طريق استخدامها باعتبارها وسيلة اتصال بين خلاياها، ووسيلة لتجنيد الشباب المتحمس. فيما عدّ وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق السديري، تغيير المنكر باليد من دون مراعاة للضوابط الشرعية، والفوضى الدائرة في الفتاوى الشرعية، من أبرز مظاهر الغلو، مشدداً على دور المؤسسات التعليمية، في بناء منهج الوسطية الإسلامية، من خلال التركيز على وسطية التشريع الإسلامي، مع إبراز آليات وأحكام وقواعد، تقوم على الاعتدال والتسامح ورفع الحرج، إلى جانب تفنيد الفكر الإرهابي من أبواب عدة، أهمها تكفير الحكام واستباحة الخروج عليهم وقتالهم، وشبهة تغيير المنكر باليد وبالسلاح، إضافة إلى زعم التنظيمات المتشددة المسلحة، أن الأمة في مرحلة جهاد الدفع، وشبهة إخراج الكفار من جزيرة العرب. فيما وصف إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي، الفتاوى الضالة، الصادرة عن الهوى والتشهي والضلال والتأويل الفاسد لآيات القرآن وأحاديث السنة النبوية، بالخادمة لأهواء وأغراض الغالين، محمّلاً الجهل بأحكام الدين مسؤولية تفشي الغلو والتطرف. من جهته، دعا إمام وخطيب المسجد الحرام الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس، العلماء إلى ضرورة نهوضهم بالبيان، وتوجيه الشباب، والتزام الرفق والوسط، ومجافاة الغلو والشطط، مؤكداً أهمية انضباط الفتوى، وحصرها في الأكفاء، وفتح باب الحوار، وتفعيل لجان المناصحة، باعتبارها وسائل علاجية لظاهرة الإرهاب.