يستمر الجدل في بابل بين الاهالي ورجال الدين والمختصين حول عائدية مرقد ذو الكفل الواقع في ناحية الكفل بين المسلمين واليهود. وقال استاذ التاريخ في جامعة الكوفة ليث الفحام ان «جدلاً تاريخياً وقديماً بين المسلمين واليهود حول ملكية مرقد النبي ذو الكفل». واضاف ان «المرقد بالنسبة الى اليهود هو قبر النبي حزقيال. وأما بالنسبة إلى المسلمين فالمرقد مذكور في القرآن الكريم، واتخذه الإمام عليّ بن أبي طالب مقراً له حسب المصادر الشيعية». واشار ان «الدائرة العامة للآثار في العراق اجرت حفريات في موقع المرقد لحسم الخلاف لكنها لم تعلن النتائج الى الآن». ويزور المرقد، الذي يؤكد اهالي المنطقة ان القبر فيه يعود الى احد انبياء اليهود، الكثير من الاهالي من مختلف المحافظات العراقية. وكان أبناء الطائفة اليهودية في العراق يأتون لزيارة القبر حتى منتصف القرن الماضي. ولم يكن في السابق يثير اهتمام المسلمين حتى عام 2003 حينما قام الوقف الشيعي بحملة لترميم مرقد ذو الكفل. وأكد رئيس ديوان الوقف الشيعي السيد صالح الحيدري «عائدية مرقد نبي الله ذي الكفل الواقع في محافظة بابل الى ديوان الوقف الشيعي». واوضح ان «عمليات تأهيل وترميم جارية في مئذنة المسجد الخاص بالمرقد». ونفى الحيدري عائدية المرقد لليهود، وأضاف «اننا كديوان وقف شيعي لا نتقدم بأي عمل الا بعد أن نتأكد من ان المرقد تابع لأتباع اهل البيت او لأحد ائمة اهل البيت او من ابنائهم. اما مراقد الأنبياء الموجودة في العراق فعائديتها ادارياً حسب المناطق». وأوضح «اذا كان المرقد الخاص بأحد الأنبياء يقع ضمن الرقعة الجغرافية ذات الوجود الشيعي فيتبع إدارياً لديوان الوقف الشيعي، واما اذا كان المرقد واقع ضمن الرقعة الجغرافية ذات الوجود السني فتتبع إدارياً لديوان الوقف السني». وتابع الحيدري ان «ديوان الوقف الشيعي يقوم حالياً، وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار، بتعمير وتأهيل المئذنة الخاصة بالمرقد لنبي الله ذي الكفل» لافتاً الى ان المئذنة «تزداد ميولاً وهي اليوم آيلة للسقوط». وتقول مديرة آثار بابل مريم عمران ل «الحياة» ان «اليهود العراقيّون كانوا يؤدّون في المرقد طقوسهم الدينية قبل هجرتهم من العراق منتصف القرن الماضي»، وأوضحت ان «القبر يُعتقد أنه للنبي ذو الكفل وأصحابه، حيث تعلو في الصحن الخارجي للمرقد منصّة بمتر واحد». واضافت «أمّا منارة المسجد التي تقع على بعد نحو عشرين متراً من المرقد، فتتكوّن من خمسة أجزاء تزيّنها زخارف نباتية وهندسية وكتابات عربية، وهي تحتاج إلى صيانة بطريقة ضرورية، إذ تبدو مائلة بسبب الضرر الذي أصاب أساساتها». وذكرت انه «تنتشر حول المرقد الخانات التاريخية، التي أُهملت إهمالاً واسعاً في السابق». وأشارت الى ان «ازالة كتابات ونقوش عبرية من المرقد يعد جزءاً من عملية «تطهير لذاكرة الاقليات الدينية التي ظهرت اصلا في العراق ومناطق اخرى من الشرق الاوسط». واضافت عمران ان «سلطات التراث القديم العراقية، وبضغط من اسلاميين، محت الكلمات العبرية، وهي مستمرة في ازالة الزخارف العبرية، وتخطط لبناء مسجد فوق مرقد حزقيال»، مشيرة الى ان «المرقد يتضمن نقوشاً بالعبرية وتابوت العهد الذي عرضت فيه نسخة من التوراة على مدى قرون». من جانبه اكد المتحدث باسم وزارة الدولة للسياحة والآثار عبد الزهرة الطالقاني أن «محافظة بابل تحافظ على موروثها التاريخي لموقع النبي ذي الكفل»، نافياً التقارير التي أشارت الى تغيير المعالم اليهودية لهذا المرقد، موضحاً «أنها أعمال صيانة وتأهيل وما زالت مستمرة الى الآن». وأشار «الى استخدام المواد ذاتها التي بني منها المرقد لاستبدال بعض الاجزاء المهترئة والاستعانة بالصور القديمة المحفوظة لدى هيئة الآثار». يذكر ان دائرة الآثار والتراث خصصت نحو 250 مليون دينار لأعمال التأهيل والصيانة التي بدأت صيف عام 2008 لموقع النبي ذي الكفل، وبكوادر عراقية. وقال الفحام ان «الروايات الدينية تتفق على أن صاحب القبر النبي ذو الكفل هو نفسه النبي حزقيال الذي وقع أسيراً في قبضة جيوش الملك البابلي نبوخذ نصر عام 589 قبل الميلاد إبّان حملته الشهيرة، ما يعطي للمرقد رمزية دينية بالنسبة إلى اليهود». وتابع «أما بالنسبة إلى الديانة الإسلامية، فالكفل ذُكر في القرآن الكريم، مما جعله مقدساً لدى المسلمين، وما زاد من قدسيته اتخاذه مقاماً لرابع خلفاء العصر الإسلامي الراشدي الإمام علي الذي استقرّ فيه فترةً من الزمن، واتّخذه مسجداً خلال حملاته على الخوارج». ويتميز المرقد بمنارته، التي تعود إلى عام 1316 ميلادياً، وما زالت قائمة حتّى الآن. الجدير ذكره ان المصادر التاريخية تشير إلى أن العصر العثماني شهد محاولات من اليهود للاستيلاء على المكان وإعطائه صفة يهودية. ونتيجة لذلك رفع بعض أهالي الكفل شكوى إلى السلطان العثماني فأرسل الأخير لجنة للتأكد ميدانياً من وجود المنارة التي تثبت أن المكان مقدّس لدى المسلمين أيضاً. واستفزّت هذه الحادثة المسلمين، فحدثت بعض المواجهات بين الطرفين، واستمر الخلاف إلى منتصف الخمسينات من القرن الماضي، إذ أنكر اليهود وجود المسجد الذي يطلق عليه اسم «مسجد النخيلة» ولم يملك المسلمون حينها أدلّة حسية على قدسية المكان سوى المنارة، التي ما كانت لتُبنى لولا وجود مسجد، إضافةً إلى ما ورد في كتب التاريخ . وتعرضت المخطوطات والتحف الأثرية في المرقد الى النهب والسلب لدى دخول القوات الاميركية العراق عام 2003 واكد الاهالي ان عشرات المخطوطات الثمينة اختفت منذ ذلك الحين ولا احد يعرف مصيرها. واكد عضو مجلس الاستشاري في المدينة جاسم الحدراوي ل «الحياة» ان «أبرز المنهوبات شمعدان اثري وحجر كريم». واشار الى ان «اغلب المباني والمحلات التي تحيط بالضريح تعود ملكيتها الى اسر يهودية، وبدلات الايجار لا زالت تحول لهم الى اسرائيل ودول اوروبية».