قد يكون سكان الدول المتطورة شعروا بتداعيات ما قبل الأزمة الاقتصادية العالمية وما بعدها على حياتهم اليومية، لكن القارة الأفريقية بالكاد شعرت بهذا الفارق الشاسع، إذ إن 25 في المئة من سكانها يعانون من سوء التغذية المستدام، أي أفريقي واحد من كل 4، ومن نتائجه الصحّية السيئة. ولهذا السبب اجتمع قادة سياسيون ووزراء وخبراء معنيون من دول أفريقية عدة لمناقشة محاور غذائية في منتدى «الاتحاد الدولي لتحسين التغذية (غاين) الأفريقي الإقليمي الأول» بعنوان «تقاسم المناهج الابتكارية لمكافحة سوء التغذية» بين 30 و31 آذار (مارس) الجاري في جوهانسبورغ التي تستضيف مباريات كأس العالم في كرة القدم بعد أقل من 3 أشهر. وصرّح رئيس «غاين»، جاي نايدو، في افتتاح المؤتمر، بأننا: «أمضينا وقتاً طويلاً ندرس المشاكل وحان الوقت لنعمل على حلّها، ففي حين وصل الإنسان إلى القمر وتوصل إلى حلول طبية لأمراض مستعصية، لا يزال 10 أطفال يموتون كل دقيقة في الدول النامية بسبب سوء التغذية»، عازياً السبب إلى «غياب الإرادة السياسية والاجتماعية في الدول». وأضاف أن «سوء التغذية له علاقة بأمن الغذاء». ودعا إلى تنمية المناطق الريفية حيث يعيش معظم سكان الدول النامية. ولفتت زوجة رئيس وزراء كينيا إيدا أودينغا، إلى أهمية الاجتماع الإقليمي للتنسيق بين الدول الأفريقية في معالجة مشكلة سوء التغذية. وأضافت أن سوء التغذية يكلّف الدول 3 في المئة خسارة في ناتجها المحلي السنوي. وأوضحت انه في 2008 عانى 2.3 مليون طفل كيني ما دون 5 سنوات من أمراض سوء التغذية، وأشارت إلى مشروع متكامل تنفذه الحكومة الكينية لإضافة مكملات غذائية إلى غذاء الكينيين الأساسي، مثل الزيت والملح والطحين، بالتعاون مع القطاع الخاص المحلي. «غاين» وأفريقيا تناولت الجلسة الأولى اعتماد منهج متكامل في دعم الغذاء، طرحت فيه تجربة كل من جنوب أفريقيا وملاوي وساحل العاج. وتكلّم مدير التطوير الصناعي في منظمة «يونيدو» عن تحسين قدرات التصنيع الغذائي في الدول النامية. ولفت إلى انه في الهند مثلاً، لا تزال تسجل خسائر في 40 في المئة من المواد الغذائية ما بعد الحصاد لعدم تأمين وسائل لحفظها أو تصنيعها. وينظم «غاين» حالياً برامج دعم غذائي في 12 دولة أفريقية، تشمل دعم وجبة الذرة والطحين بالحديد وحامض الفوليك ودعم ملح الطعام باليود ودعم زيت الطعام والسكر بالفيتامين «أ»، هي: ساحل العاج وجنوب أفريقيا ونيجيريا وغانا والسنغال وإثيوبيا وكينيا ومالي والنيجر وأوغندا، إلى مصر والمغرب اللذين يعتبران من أكبر برامجها، خَصص لها نحو 21 مليون دولار. الشرق الاوسط وآسيا ويهدف «غاين» في برنامجه لمنطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا إلى خَفض عبء سوء التغذية عبر برامج تهدف إلى تحسين التغذية على النطاق العام ولشرائح إجتماعية مستهدفة. وفي مصر، أطلق برنامج في أيلول (سبتمبر) 2007 بمنح قدرها 3 ملايين دولار بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة العالمي للغذاء والوزارة المصرية للدعم الاجتماعي بتقوية قمح الخبز البلدي بحامض الفوليك، وتوصل بحلول حزيران (يونيو) 2009 إلى تقديم الخبر المدعم بالحديد ل9.5 مليون مصري. وبدأ في آب (اغسطس) الماضي مشروع تدعيم الطحين بالمكملات الغذائية في 116 مطحنة من أصل 163، لإنتاج 4 ملايين طن طحيناً مدعماً سنوياً. وفي أيار (مايو) الماضي، أطلق مشروع دعم زيت الطعام النباتي بالفيتامين «أ»، بهدف الوصول إلى 63 مليون مصري، منهم 24 مليون سيدة وطفل، وتشمل المرحلة الثانية إنتاج 877 مليون طن من زيت الطعام المدعم بالفيتامين «أ» في 25 مصنع محلي، وبات 78 في المئة من المصريين يستهلكون ملح الطعام المدعّم باليود. في المغرب، وبالتعاون مع الحكومة الوطنية و»يونيسيف» منح «غاين» 2.92 مليون دولار للمرحلة الأولى و1.49 مليون للمرحلة الثانية لمشروع دعم الطحين بالحديد وحامض الفوليك وزيت الطعام بفيتامين أ و «د». وتوصل إلى دعم 70 في المئة من سوق الطحين للوصول إلى 30 مليون مواطن و71 في المئة من سوق الزيت، أي 23 مليوناً. وتسعى المرحلة الثانية إلى تدعيم 95 في المئة من الطحين بحلول 2012 و100 في المئة من زيت الطعام. في باكستان، تعاون «غاين» مع وزارة الصحة الباكستانية و80 من المطاحن الحكومية والخاصة لدعم الطحين بالحديد وحامض الفوليك، وبحلول حزيران 2009 حصل 12.7 مليون باكستاني على طحين مدعوم. ويجري توسيع المشروع لدعم 40 مطحنة إضافية، وملح الطعام. وفي أفغانستان، مشروع بالتعاون مع «مؤسسة خليفة بن زايد» الخيرية بوشر في تموز (يوليو) الماضي لدعم الطحين والزيت والسمنة والملح. يذكر ان «الاتحاد الدولي لتحسين التغذية» (غاين)، مقره الرئيس جنيف، تأسس عام 2002 وهو ثمرة تعاون بين القطاعين العام والخاص والمنظمات الدولية ويؤمن الدعم المالي والتقني للدول النامية، لتوفير الغذاء الصحّي والمكملات الغذائية الأساسية لسكانها، وينشط حالياً في 28 دولة في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، تشمل 200 مليون مواطن، نصفهم من السيدات والأطفال، و55 في المئة هم من أفريقيا و43 في المئة من آسيا. ويهدف «غاين» إلى بلوغ بليون شخص في العالم، ولديه مكاتب إقليمية في كل من جوهانسبورغ ونيودلهي والقاهرة وبكين. مصادر تمويل «غاين» مؤسسة «بيل وميليندا غايتس» الخيرية والوكالة الكندية للتنمية الدولية و»مؤسسة صندوق الاستثمار في الأطفال» الخيرية و«الوكالة الاميركية للتنمية الدولية» (يو إس إيد).