11 حزيران (يونيو) 2009 : قذارة إيجابية «الاختبار ايجابي»، قال لي، لحسن طالعي وحظي، أحمل شهادة ترجمة فورية، وأتكلم الفرنسية السائدة ولغة الطبيب ج ج. ولغته على حدة، تعلمتها في أثناء ترددي الطويل على خبير السلطعون. وعلى رغم هذا سألته سؤالاً يقتلني: «والعلاج بالكيمياء؟». الجواب: «الأنسجة اللمفاوية مصابة، ويرتب هذا علاجاً كيميائياً». أملت أن أنجو من العلاج وقذارته، ولن أنجو. 14 حزيران : متع قليلة فجراً في المستشفى الخامسة والنصف، السبت صباحاً، مضى الليل هادئاً، وقطعه كوينتان، أحد الممرضين، مرتين، الرجل مهذب ومتحفظ، لا يضيء مصباح الكهرباء العالي، ولا حتى المصباح الليلي الخفيض، ويخرج من جيبه مصباحه ويتكلم هامساً. وهذا ليس بالأمر العظيم ولكنه ليس بالقليل. ومنذ الفجر نويت أن أخرج اليوم الى النزهة، أخرج؟ قد لا أفوز بهذا بعد 24 ساعة (على دخول المستشفى). عليَّ اقناع الطبيب، ويحسن بي ربما أن أتبرج من غير مبالغة، واقتصر على عيني وعلى بعض البلوش على الخدين، وأتحاشى الظهور في مظهر ملكة الغواية. 26 حزيران : منظر اجتاحته العاصفة منظري أليف. متورم، تعترضه ثنايا وخيطان الخياطة، على شاكلة روابٍ بعد الحريق، ثمة بقع سليمة بجوار أخرى مجوفة وثنايا ونتوءات. أخبرت أن بعضهن يحجبن المرايا في بيتهن في أثناء علاجهن الكيميائي أو في أعقاب جراحة استئصال. وهذا الخبر هالني على نحو حكاية جنيات مروعة، لا ريب في أن كره النفس هذا هو الوجه الآخر لحبها... الإقلاع عن حب النفس، لعله يشد أزر المضطر الى تحمل وجه اجتاحته العاصفة. 11 آب (أغسطس) : شر المتوقع مضمون دوماً أُعلمت لتوي أن في رئتي ورماً في حجم بيضة، هل أشم رائحة صنوبرة؟ لا، لا أظن، إنني متحفزة، وحين عدت الى البيت بددت رائحة الصنوبر الملعونة، ورششت على جسمي عطر سيرج لوتنس وبخوره. أشم رائحة مسك وبخور. 13 آب : السيد سين يلد ذرية الخلايا السرطانية تنتشر على طول العمود الفقري، من الكتف الى المتخّت، وعلى جهتي الحوض، في كلية اليسار، وثمة درينة صغيرة في تجويف الرئة اليسرى، أطمئنكم الى خلو أصبع القدم اليسرى الكبير، شأن نظيره في القدم اليمنى، من إصابة خبيثة. 14 آب : ليس الدماغ رجاءً ما يرهقني إرهاقاً لا أطيقه هو الإصابة بورم خبيث في الدماغ، ما عدا هذا يسعني، على الأرجح، تدبيره لقاء المورفين إذا تعاظمت الآلام واحتدت. ولا أتخيل اصابة خلاياي العصبية بالرخاوة، ووقوعي مغشياً عليَّ، فهذا لا أحتمله، وذلك أنني أود التوسل بسين 2 هذا وأولاده، وأزداد عمراً وسناً، على ما صنعت في حال سين 1. والازدياد من العمر يفترض التفكير. وأحوالي الى تردٍ على نحو متسارع وأوشك على الانهيار. ولا أود أبداً، حقيقةً، أن يصاب فهمي. 24 آب : مخزني الصغير نعم، أرعى شركة صيدلة صغيرة، وأنا في آن المديرة والمستخدمة والمصرِّفة، وأنا محظوظة جراء منهجيتي. وبعضهم يسخر (نعم) من الوجه العسكري - التنظيمي هذا مني. وأنصح بمخططي الأسبوعي، وخطيه العمودي والأفقي اللذين أسجل بينهما أدويتي (الإلزامي منها والمقترح حين الحاجة)، وأشطب، يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، ما تناولته وما لم أتناول. 11 أيلول (سبتمبر) : أتمرغ في البهجة (أو ما يشبهها) أصبت بسرطان عام، على ما يبدو، ولم أكن يوماً في حال... أحسن من حالي، فأوقاتي فريدة في بابها. ولم يسبق أن اختبرت حياة صداقة على هذا القدر من الغنى، وعلى سبيل المثال، زارني الأسبوع الماضي 16 شخصاً... وهذا كثير. وربما ينبغي أن ألتمس بعض الراحة والهدوء. 17 أيلول : هل قلت أن علة المرض نفسية؟ لا، لا تحملوا علي كلاماً لم أقله. لا، لا أقول ان كل أنواع السرطان سببها نفسي، وأما في ما يخصني، فأنا متيقنة في أن أمراضي السرطانية مصدرها تاريخي الشخصي، والحق أنني حين أبلغت بسين 1، فكرت في سري «أخيراً!». فما أرجو من التحليل النفسي الذي أزمع مباشرته؟ ربما أرجو أن أعود عاشقة... 17 تشرين الثاني (نوفمبر) : تحت خير من فوق البارحة، الاثنين، كان يوم علاج كيميائي ولم يكن يوم طعام طيب. والعلاج بدوائي تاكسول وهيروسيبتين، جبنة وفاكهة، تثاءب الوقت وطال في أثناء نقل النواتين على شاكلة تثاؤبه في لقاء عائلي على مائدة يوم أحد، «أود رؤية نتائج تصوير الجمجمة بالرنين المغناطيسي». الجواب: «ربما هناك جروح صغيرة...» استقبلت الشك من غير اضطراب وبدا لي على صورة خبر سار متوسط. يستوقف في السرطان القبول المتعاظم للأمور الطارئة. * صحافية توفيت قبل أيام من طباعة مقتطفات من مدونتها، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 21/3/2010، إعداد وضاح شرارة.