حمّل مدير الجامعة الإسلامية في المدينةالمنورة الدكتور محمد العقلا المجتمع بكل مؤسساته وأفراده مسؤولية تصحيح المفاهيم الخاطئة والأفكار المنحرفة، مؤكداً أن مؤتمر الجامعة الإسلامية عن «الإرهاب بين تطرف الفكر والفكر المتطرف» ملتقى علمي في الأساس ويدعو إلى كلمة سواء، لا يستهدف تصفية حساب مع الآخر، ولا يسعى إلى نبذه وأخذه بالشبهات. وأوضح ل«الحياة» أن المؤتمر يسعى إلى نشر أدب الاختلاف وثقافة الحوار، مرجعاً حضور «حواء» في الملتقى بقوة إلى قدرتها على تقديم أبحاث جيدة، «فيما اختارت اللجنة العلمية الأفضل منها». واعتبر تزامن المؤتمر مع توزيع جوائز مسابقة الأمير نايف العالمية للسنة النبوية يؤكد حرص النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز على خدمة الإسلام عموماً والسنة النبوية خصوصاً، مبيناً أن الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة، حديثة، لا دين لها، ولا وطن وقد تتغير أشكالها وأساليبها بتغير الزمان والمكان. ماذا يعني تبني الجامعة الإسلامية لهذا المؤتمر؟ - الجامعة الإسلامية تشعر بعظم المسؤولية التي تتحملها في نشر الدعوة الإسلامية الصحيحة، بما في ذلك تصحيح مسار الدعوة كلما حاول بعض المنتسبين إلى الإسلام الانحراف بها، ومن هذا المبدأ رأت الجامعة أن تسهم بجهد، ولو كان يسيراً في علاج هذه الظاهرة الخطيرة، التي أصابت المجتمعات الإسلامية، وأن تزيل الغبار الذي يحجب عقول بعض المتلبسين بهذا الفكر وطرح الحلول والاقتراحات المساعدة في علاج هذه الظاهرة. كم عدد الباحثين والمشاركين في الملتقى؟ - يشارك في المؤتمر 83 باحثاً من الجنسين، يمثلون مذاهب ومدارس فكرية مختلفة من داخل المملكة وخارجها، بمن فيهم من مدنيين وعسكريين. كيف ترى تزامن المؤتمر مع توزيع جائزة الأمير نايف بن عبدالعزيز للسنة النبوية؟ - تزامن المؤتمر مع توزيع جوائز مسابقة الأمير نايف العالمية للسنة النبوية يؤكد حرص الأمير نايف بن عبدالعزيز على خدمة الإسلام عموماً والسنة النبوية خصوصاً، فتولّي الأمير نايف توزيع الجوائز بنفسه، وكذلك رعاية المؤتمر بنفسه على كثرة مشاغله يؤكد أهمية المؤتمر والجائزة لديه، وكل ذلك يوضح حرص ولاة أمر هذه البلاد أيدهم الله على الاهتمام بخدمة الإسلام والمسلمين. يتوقف البعض عند ثنائية العنوان «تطرف الفكر، والفكر المتطرف» هل من تغاير بينهما؟ - العنوان يحاول أن يجمع كل أشكال التطرف الفكري، وأطيافه ودرجاته، فهناك من لديه فكر صحيح، ولكن في جوانب منه مال إلى شيء من التطرف، وهناك من كل فكره متطرف وصدامي مع الآخر، وهذا بعيد تماماً من الوسطية، فالمؤتمر بهذا العنوان الثنائي يحاول الغوص في كل دهاليز التطرف الفكري. ما مدى تأثير التدين الخاطئ في تطرف الفكر؟ - واجب كل مسلم أن يكون ملتزماً بتعاليم دينه وفق الكتاب والسنة النبوية، وأي سلوكيات خاطئة بعيدة من الحق فلا تنسب للدين أو التدين، بل تنسب لأصحابها والدين منها براء، فليس هناك تدين خاطئ، هناك سلوكيات تحمل على الدين وليست منه، ودين الإسلام دين الوسطية والتسامح والحوار وحسن التعامل، فهو بعيد من التطرف والأفكار الهدامة لأنه دين بناء وعطاء للإنسانية أجمع. مرّت ببلادنا مشاهد مؤسفة لشبان سعوديين يحاولون إيذاء وطنهم،كيف تقرأ مثل هذه الحالات في ظل تمتعنا في الأغلب بالفكر الوسطي المعتدل؟ - الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة، حديثة، لا دين له، ولا وطن وقد تتغير أشكاله وأساليبه بتغير الزمان والمكان، ولكنه يظل (دائماً) مرتبطاً بالإنسان أياً ما كان، وأياً ما كانت عقيدته أو ملته أو مذهبه الفكري، ومن الخطأ نسبته إلى دين دون آخر، أو إلى جنس أو عرق بشري دون آخر، أو دولة دون أخرى. وفي حاضر عالمنا المعاصر تجددت أشكال الإرهاب وأساليبه وتعددت أسبابه ومنابعه، وذلك بما يقضي القول إنه قد أصبح جريمة العصر وحربته، لا بل أضحى أم الجرائم، ومنبع الإثم والدمار، بما يبثه (بين الآمنين الوادعين) من رعب وخوف غير مسبوقين، وبما يخلفه من قتل للأبرياء والمطمئنين من دون تمييز بين طفل أو رجل أو امرأة أو شاب أو كهل، أو مسلم أو غير مسلم، فالجميع في نظره أعداء. وبما يحدثه من دمار للأبنية والمنشآت والملكيات العامة والخاصة، من دون النظر أو الاعتبار إلى ما يلحق المجتمع من خسارة أو ضياع، وما حصل في مجتمعنا حالات فردية تشكلت لأسباب متعددة تراكمية، من أبرزها الجهل وغياب الرقابة الأسرية والعولمة وغير ذلك، فلا يمكن أن تحمل على المجتمع بأسره. لا يزال بعض الكتّاب يحمّل المنظّرين مسؤولية ما نجم عن التطرف، كيف يمكن لمثل هذا المؤتمر أن يسهم في تصحيح وتقويم بعض الأفكار المتطرفة؟ - تصحيح المفاهيم الخاطئة والأفكار المنحرفة مسؤولية المجتمع بكل مؤسساته وأفراده، وهذا المؤتمر جزء من تلك المنظومة، ولكن ما يميزه دقة توصيف أبحاثه ودراساته لظاهرة الإرهاب بكل تفاصيلها، وتقديمه حلولاً ملموسة واقعية سهلت التطبيق للقضاء على الفكر المنحرف. يربط البعض بين التطرف وبين التشدد الديني، هل من الموضوعية حصر التطرف في تيار متدين؟ - هذا من الخطأ، فكما قلت سابقاً الإرهاب ظاهرة عالمية، قديمة، حديثة، لا دين له، ولا وطن وقد تتغير أشكاله وأساليبه بتغير الزمان والمكان. ما الذي ينادي به هذا المؤتمر؟ - مؤتمر «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف» مؤتمر علمي يدعو إلى كلمة سواء، ولا يستهدف تصفية حساب مع الآخر، ولا يسعى إلى نبذ الآخر وأخذه بالشبهات، بل يسعى إلى نشر أدب الاختلاف وثقافة الحوار، وإلى ترسيخ قيم التفاهم ونشر روح التسامح، ويعمل على قفل أبواب التآمر على الإسلام، وتحسين صورة الدين والمتدينين، ويهدف إلى إعادة أبناء الجلدة الواحدة، الذين انساقوا وراء إغراءات التحريض والتمويل الخارجي إلى كنف وطنهم وذويهم. كيف ترى مستوى تناسق العمل بين مؤسسات التعليم العالي، وجهود وزارة الداخلية من خلال لجنة المناصحة في الحد من التطرف؟ - محاربة التطرف والفكر الضال بصورة كافة مهمة تقع على عاتق كل مواطن ومقيم، فالجهود الأمنية حققت (ولله الحمد) نجاحات كبيرة في الضرب على يد هؤلاء في حملات استباقية دحرت مخططاتهم الإجرامية، ولذا فالمهمة الأكبر تقوم على الجهود الفكرية في تجفيف الفكر الضال، وهذه رسالة كل المؤسسات الحكومية والخاصة بل هي أمانة في عنق كل مواطن ومقيم، وقد بذلت الكثير من المؤسسات جهوداً مباركة في هذا الشأن، ومن ذلك برنامج المناصحة والحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب التي نفذت قبل أعوام عدة، إضافة إلى الكراسي العلمية المتخصصة والمحاضرات والندوات والمؤتمرات، والتعليم العالي شريك فاعل في هذا الموضوع. يلحظ المتابع أن حواء حاضرة في هذا المؤتمر بقوة، هل هي مصادفة، أم بتنسيق مسبق مع الباحثات السعوديات؟ - تم الإعلان عن أهداف المؤتمر ومحاوره، والدعوة كانت عامة لمن يرغب المشاركة من الجنسين، فتقدم الكثير من الباحثات المتمكنات واللجنة العلمية اختارت الأبرز لعرضه، مع أن غالبيتها كان جيداً، ولكن وقع الاختيار على الأفضل. ما مدى تعويلكم على المرأة أماً ومعلمة وباحثة في الحد من التطرف؟ - المرأة هي ربة الأسرة، وهي الأم والزوجة والأخت والبنت، وبما أنها شريك في الأسرة وعضو فاعل في المجتمع فالمهمة عليها كبيرة في محاربة الفكر المنحرف، فهي المربية والحاضنة للنشء وهي المدرسة وهي الداعية والباحثة والأكاديمية، فالمرأة في مجتمعنا تؤدي دورها في تعزيز الأمن الفكري ومكافحة التطرف (ولله الحمد). هل أنت متفائل بتحول توصيات المؤتمر إلى آلية عمل يمكن تفعيلها في المجتمع؟ - تفعيل التوصيات دور جهات أخرى تنفيذية، وأعتقد أن هذا المؤتمر من خلال قوة محاوره وعمق أبحاثه وما يمتلكه المشاركون فيه من رصيد علمي كبير سيخرج بتوصيات مركزة واقعية ممكنة التنفيذ بما يخدم الدين والمجتمع. ما أبرز أهداف المؤتمر الذي تنظمه الجامعة «الإرهاب بين تطرف الفكر وفكر التطرف»؟ - المؤتمر من أكبر المؤتمرات التي تصدت لظاهرة الإرهاب بدرس الجذور والأسباب، ووضع وسائل العلاج وسيشترك فيه أكثر من 80 باحثاً من دول مختلفة، وأبرز أهدافه إبراز وسطية الإسلام واعتداله، وتسامحه مع الآخر، وتوضيح وجه الخطأ في نسب الإرهاب إليه، نتيجة انحراف بعض المنتسبين إليه، وبيان أن الإرهاب من جرائم العصر، وأنه لا دين له ولا وطن وإثبات براءة الإسلام منه فكراً وسلوكاً، والمعالجة الفكرية للإرهاب حتى تتواكب وتتضافر المعالجة الفكرية مع المكافحة الأمنية في اقتلاع جذوره وتجفيف منابعه، إضافة إلى تعزيز الأمن الفكري في المجتمعات الإسلامية بإذكاء روح التسامح، وترسيخ قيم التفاهم، ونشر أدب الخلاف وثقافة الحوار، وإيضاح أسباب التطرف والإرهاب ومنابعهما ومخاطرهما وطرق التصدي لهما، وبيان الضوابط الشرعية لقضايا التكفير والجهاد والولاء والبراء.