يُنتخب البرلمان المصري الجديد وسط فتور شعبي عكسه العزوف عن الاقتراع في مرحلتي الانتخابات، وهو فتور يظهر أنه سيرافق البرلمان الجديد على الصعيد السياسي خلال ولايته. وتُجرى الجولة الثانية من المرحلة الثانية والأخيرة من الانتخابات الثلثاء والأربعاء المقبلين. وأظهرت نتائج المرحلة الأولى والجولة الأولى من المرحلة الثانية أن غالبية مقاعد البرلمان المخصصة للنظام الفردي سيهيمن عليها مستلقون، أكثريتهم من أعضاء الحزب «الوطني» المنحل، بعدما فازت قائمة «في حب مصر»، وهي تحالف موالٍ للرئيس عبدالفتاح السيسي شكله مسؤولون عسكريون وأمنيون سابقون، بكل المقاعد المخصصة لنظام القوائم. وأظهرت نتائج الاقتراع تواري الأحزاب التقليدية إلى حد كبير لمصلحة أحزاب جديدة، وتحديداً حزبا «المصريين الأحرار» بقيادة رجل الأعمال البارز نجيب ساويرس و «مستقبل وطن» المحسوب على أجهزة رسمية، اللذان يتوقع أن يحوزا الكتلتين الحزبيتين الأكبر داخل البرلمان. وعلى رغم أن السمة الأساسية لأعضاء البرلمان الجديد هي لافتة تأييد السيسي التي تشاركوا في رفعها، إلا أن مراقبين يفضلون ترقب سير الأحداث للحكم على العلاقة بين البرلمان والرئيس. وحتى قائمة «في حب مصر» التي ضمت مرشحين حزبيين وآخرين مستقلين وشخصيات عامة وقياديين سابقين في الحزب «الوطني» المنحل، فليس شرطاً أن تستمر الأحزاب المنضوية فيها في هذا التحالف بعد تشكيل البرلمان، خصوصاً في ظل شد وجذب بين قيادات القائمة وحزب «المصريين الأحرار» المنضوي تحتها. وتضاءلت الآمال المعقودة على إحداث حراك سياسي بفعل تشكيل البرلمان الجديد، خصوصاً في ظل التصريحات التي سارع نواب منتخبون إلى إطلاقها في ما بدا أنه سباق محموم على إظهار الولاء للرئيس، حتى أن بعضهم اعتبر أولويته تعديل الدستور للحد من صلاحيات البرلمان نفسه لمصلحة الرئيس، وهو ما كان السيسي لمح إليه. ونجح في البرلمان الجديد أشد خصوم الثورة، وغاب أي تمثيل ملحوظ لمؤيديه فيه، إما لمقاطعة الترشح أو الخسارة في انتخابات أجمع المراقبون على استفحال ظاهرة شراء الأصوات فيها. وقال ل «الحياة» أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة إنه لا يعول كثيراً على دور للبرلمان الجديد في إحداث حراك سياسي أو دفع البلاد ناحية التحول الديموقراطي. وأوضح أن «مصر حدثت فيها تغييرات هائلة منذ ثورة 25 كانون الثاني (يناير)، والشعب كان يطمح في أن يكون لديه نظام مختلف عما كان سائداً قبل الثورة... الانطباع العام أن النظام الجديد الذي يتشكل لن يكون مختلفاً جذرياً عن النظام الذي كان سائداً قبل الثورة، والبرلمان سيكون امتداداً للسلطة التنفيذية ولن يكون هناك فصل حقيقي بين السلطات، وأي نظام تسقط فيه الحدود بين السلطات، إلى هذا الحد المتوقع، لا يمكن أن يكون ديموقراطياً أو يدفع البلاد ناحية التحول الديموقراطي». لكن نافعة لا يتوقع أن يكون البرلمان الجديد نسخة طبق الأصل من برلمانات ما قبل الثورة، إذ أن الخريطة السياسية تغيرت، فتيار الإسلام السياسي لم يعد ممثلاً إلا في شكل ضئيل من خلال حزب «النور» السلفي، ورجال الأعمال زاد نفوذهم داخل البرلمان إلى الحد الذي سيخلق وضعاً سياسياً جديداً ومختلفاً. وقال: «أتوقع أن يكون بمقدور الرئيس أن يمرر رؤيته، لكنه سيضطر بالتأكيد إلى تقديم تنازلات لكبار رجال الأعمال... أحد مشاكل البرلمان أنه سيكون غير قابل للضبط، فالتيار العام المؤيد للسيسي داخله بينه صراعات شخصية ومصالح يصعب ضبطها من خلال آلية سياسية محددة، نحن بصدد مسرح جديد لم يتم اختباره من قبل، ولا ندري كيف سيكون التعامل بين الرئيس والبرلمان». وأوضح أن «الرئيس لا يقود حزباً سياسياً وليست لديه آلية لضبط العمل داخل البرلمان، وعلى رغم أن غالبية القوى داخله أعلنت تأييدها للرئيس، لكنها في معظمها قوى مستقلة أو حزبية مفككة في شكل أو آخر، فعلى رغم الولاء للرئيس يظل التساؤل عن الآلية القادرة على ضبط الإيقاع داخل البرلمان، تلك الآلية ليست موجودة، وستظهر الحاجة إليها في قضايا تفصيلية لن يتدخل فيها الرئيس مباشرة... سيكون هناك تأييد لتوجهات الرئيس، لكن ستكون هناك أيضاً صراعات شديدة حول قضايا متعددة أبرزها المغانم الاقتصادية. ستظهر تلك الأمور عند مناقشة قوانين تخص الضرائب أو إسكان محدودي الدخل، تلك القضايا ستثير صراعات، ولا نعرف كيف سيحدد الرئيس موقفه منها». واعتبر أن «أخطر مشكلة تواجهها الحياة السياسية في مصر بعد أن ظهرت خريطة القوى داخل البرلمان الجديد هي أين ستكون المعارضة للنظام؟ هناك تصاعد في القوى المعارضة للنظام ظهر في العزوف عن المشاركة في الانتخابات، والأرجح أن تكون المعارضة من خارج البرلمان وليس من داخله، ما سيمثل عامل ضغط على النظام قد يُقصر عمر البرلمان الجديد». ورأى أن البرلمان الجديد «يعكس لحظة استثنائية ولا يعبر عن القوى السياسية الحقيقة الموجودة في أعماق الشعب المصري. هناك قطاعات كبيرة مهمة وتيارات فكرية مهمة لم تترشح... هذا البرلمان يعكس لحظة الارتباك في الحياة السياسية التي لم تستقر حتى الآن، وأراه بتركيبته الحالية غير قابل للدوام».