يستطيع زائر المعرض الفوتوغرافي «صدى الصحراء» في المكتبة الوطنية في عمّان، للباحث والكاتب جهاد جبارة، تكوين تصور بانورامي عن طبيعة الصحراء الأردنية التي تتوسط الصحراء في جنوب شرقي سورية، والوسط الغربي للعراق، إلى جانب الصحراء في شمال السعودية. واللافت في صاحب هذه الصور أنه لا يعدّ نفسه فوتوغرافيّاً، بل هو باحث وكاتب في شؤون الصحراء وشجونها، وأن هذه الصور التقطها عفوياً في «لحظات قنص»، عندما كانت تلفت نظره ظاهرة معينة أثناء تجواله في هذه الصحراء. وقد عكست عشرات الصور التي ضمها المعرض المقام بالتعاون مع الجمعية الأردنية للتصوير ومتحف الحكاية التراثي «لاستوريا»، التشكيلات الجيولوجية المتعددة التي أظهرت طبيعة عمران متناغم مع هذه التعددية. ومثّلت الصور مكونات هذه الصحراء: الكتل الصخرية، الحيوانات، النباتات، الأشجار، الماء، وعلاقة الإنسان بها. وعن تعددية المناخ التي عكسته صوره يقول جبارة ل «الحياة»: «تتميز الصحراء الأردنية بتشكيلاتها الجيولوجية المتعددة. وهي ليست رملية فقط، بل هناك مكونات أخرى، فأثناء تجوالي في الشمال الشرقي وجدت العديد من حقول البراكين القديمة التي رصدتها كاميرتي، والتي يبين صهيرها البركاني البازلتي الأسود أنه مضى على وجودها 150 ألف عام، وفق الباحثين الجيولوجيين». ويضيف: «يشكل هذا الصهير البركاني قيعاناً وغدراناً وأودية تمتلئ بمياه الأمطار المبكرة التي تتميز بها الصحراء، وتعيق الحركة فيها، ولكن هذا الفضاء يشكل مشهداً بصرياً فريداً ولوحات تشكيلية ضخمة ترسمها قوائم الطيور المهاجرة وهي تهبط وتصعد على الرمل المجاور للغدران المترامية هنا وهناك». وعن الصخور التي تظهر في صور المعرض يقول جبارة: «هذه التكوينات الحجرية تعود الى العصر الطباشيري الذي نُحتت أسطحه بفعل قوة الريح وأشعة الشمس، عبر آلاف السنين، وهي موجودة في منطقة من الصحراء تدعى الضاحك. فلأن حجارتها طباشيرية بيضاء يظن العابر القادم من سواد البازلت من شمال هذه الصحراء إلى الجنوب في منطقة العمري بين السعودية والأردن، أنها أسنان بيضاء تظهر في ابتسامة». وهناك صور لحفريات حملت حروفاً أبجدية ونقوشاً ورسوماً، يقول عنها جبارة إنها «نفذت قبل مجيء عيسى عليه السلام ب650 سنة، وهذا من خلال مراجعتي لأكاديميين مختصين في الجامعات». ويشير الى أن هذه الأبجدية هي أصل الحروف العربية، كتبها الصفويون، وهؤلاء ليست لهم علاقة بالحركة الصفوية الدينية، وإنما سموا صفويين لأنهم عاشوا في منطقة الصفاة الصخرية في الشمال الشرقي للصحراء. ويوضح جبارة: «لم تكن هذه المنطقة في عصور سابقة صحراء جافة، لأن عدستي التقطت نقشاً لفارس يطعن أسداً في فمه، ما يدل على وجود الماء والغابات». وعن ذلك الحضور المميز للمرأة البدوية في المعرض، وقد علت وجهها إمارات التعب، يقول جبارة: «في الحياة الاجتماعية الصحراوية ثمة اعتماد كبير على المرأة، فهي التي تبني بيت الشعر، وتجلب الماء، وتقود الإبل إلى المرعى، مما يورث وجهها الإعياء والشقوق بفعل أشعة الشمس المباشرة والحر». ويزيد: «المرأة هي أيضاً طبيب العائلة، لأنها بحكم انغماسها اليومي في الفضاء الصحراوي اكتشفت أنواعاً عديدة من النباتات الطبية، فعلى سبيل المثال تستخدم هذه المرأة جذور نبتة العطرفان بعد غليها لأنها تتمتع بخصائص اليود المعقم للجروح». ويعلِّق على صورة في المعرض تُظهر «قاعوداً» يرضع من أمِّه الناقة، بينما صاحبها يحلبها في الوقت نفسه، بقوله: «من عادة النوق عدم السماح لأصحابها بحلبها، إلا إذا حَنَّت إلى وليدها، فيتركها صاحبها ترضعه، وأثناء ذلك يحلبها». وكان جبارة، الذي أقام معارض فوتوغرافية سابقة عن الصحراء في مدينة مأدبا والجامعة الأردنية وجامعة مؤتة، أصدر كتباً تناولت هذا الفضاء، منها «صهيل الصحراء»، و «رؤيا صحراوية»، إضافة الى مخطوطات سينشرها قريباً.