توصلت دراسة بعنوان (النظام العالمي للزكاة) لمؤلفها الدكتور محمد صالح هود إلى نظرية خاصة لتطوير نظام الزكاة الإسلامي وتحويله إلى نظام عالمي. ورأت الدراسة أن التخبط والفوضى الاقتصادية الحالية في العالم هما نتاج غياب الإدارة الاقتصادية المبنية على الفكر الاقتصادي الإسلامي، وعدم تبني القوى الاقتصادية العالمية لفكرة ملكية الله للكون، وأن المال مال الله. وعلى رغم أن عنوان المؤلف وموضوعه يدوران حول الزكاة وتنظيمها، إلا أنه تطرق إلى جوانب أخرى كان من أهمها التركيز على أن هذه النظرية لا تعادي العولمة الاقتصادية ولا تدعو إلى مصادمتها، كما أنها ترحب بتشجيع تدفق البضائع والخدمات في التجارة المحلية من دون فرض قيود، مع فرض مبادئ المثل بفرض القيود الكمية والحواجز الجمركية في التجارة العالمية، ومنع إغراق الأسواق في البلدان غير المنتجة نسبياً بالسلع والخدمات الكمالية وسيطرة أصحاب رؤوس الأموال الأجانب. وأكدت الدراسة أن المشكلة الاقتصادية القائمة في العالم مبنية على إهمال البشر للعناية بالسنن الكونية، وبسبب السلوك البشري المخالف للمنهج الإلهي. وضرب لذلك مثالاً على عدم مراعاة البشر للتوسط في الإنفاق وعدم الإسراف في المسكن والملبس والمأكل والمشرب ووسائل النقل والاتصال، وأمثلة أخرى من إنفاق الأموال في المحرمات والتبذير في المهور والمآدب. وأفادت الدراسة أن النظام الإسلامي يخالف النظم الرأسمالية والاشتراكية في كونه ربط بين احترامه للملكية الفردية، «وهي القاعدة السليمة التي يقوم عليها الاقتصاد الإسلامي»، ليشمل تكافل أفراد المجتمع بأكمله مع تحقيق توزيع عادل للدخل والثروة ومراعاة مبدأ تكافؤ الفرص. «وإخراج المكلف لزكاة أمواله سنوياً ليصبح لديه دافع لمزيد من الاستثمار وتشغيل أمواله، وفي الوقت نفسه يكفل للفقير حقاً معلوماً ومضموناً في مال الغني المكلف، ولم يترك الفقير أيضاً عالة يتكفف الناس، بل حثه على الإنتاج والكسب». وطالب الدكتور هود في دراسته بإنشاء وزارة للزكاة في كل بلد إسلامي لتضم هيكلاً إدارياً ومالياً متخصصاً وشرطة للجباية، معللاً ذلك بأن «الإسلام ليس مجرد فتاوى طمت وعمت، كما أنه ليس مظهراً من مظاهر الدروشة أو الانعزال عن الناس» منبهاً على أن الدافع إلى هذه المطالبة هو: «أن من أهم أهداف النظام العالمي للزكاة أن تتولى الدولة جباية الزكاة وتوزيعها في مصارفها عبر هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية». ووصف الدكتور هود وزارة الزكاة وشرطة الجباية الخاصة بها بأنها «ستضفي مزيداً من النفوذ والشرعية لآلية تحصيل الزكاة لأن الوزير مكلف من ولي الأمر لجباية الزكاة عبر قنوات متخصصة من صميم هيكل وزارته، ومفوض في استعمال القوة القسرية والعقوبات التعزيرية، خصوصاً لو امتنع الشخص/ الجهة عن دفع ما عليه من مستحقات خاصة على نطاق الشركات الكبرى والمؤسسات والبنوك». ولم تقتصر مطالب الدراسة عند هذا الحد بل تطرقت إلى اقتراح جعل بيت المال المركزي مخزوناً استراتيجياً لمدخولات الزكاة العينية لمن لم يتمكن من الدفع النقدي بسبب انعدام السيولة الكافية أو التنضيد، أو نسبة لكساد تجارته، أو كحجة للتهرب من الزكاة. وأوضحت الدراسة فائدة ذلك بالمثال الآتي: «ما فاض من الزكاة العينية من الحبوب الغذائية أو الماشية أو البضائع التجارية يبعث لبيت المال المركزي ليباع في مزاد علني كبير لتحصيل النقد، أو يحفظ في مسودات مهيأة خصيصاً لسد الفجوات الغذائية المحتملة بسبب حدوث الكوارث أو اندلاع الحروب». وعدد المؤلف عدداً من الشروط التي يجب مراعاتها لإنجاح نظام الزكاة العالمي، من بينها التخلص من «خطر الربا، الذي يجلب غضب الرب، ويمحق بركة الرزق، ويؤدي إلى هوان النفس، ووهن القلوب، وهتك الأعراض». وعدد من آثار الربا الاقتصادية والاجتماعية: ارتفاع الأسعار والكساد والبطالة وزيادة حد التفاوت بين الناس، وتخفيض الإنتاج والاستثمار، وتفاقم أزمة المديونية، وانتشار الفاحشة. وأضاف: «وللخروج من هذه المآزق لا بد من تحول أنظمتنا البنكية الربوية التقليدية تدريجياً إلى أنظمة مصرفية إسلامية في ظل البدائل الإسلامية المباحة، وهي: المشاركة بالريع والتأجير وإحياء الموات بغرض الزراعة أو التشييد، والمرابحة والمخابرة، والمساقاة، والمزارعة، إضافة إلى عقود بيع السلم والجعالة والبيع الإيجاري المنتهي بالتمليك والاستصناع الحلال». وكان من بين النتائج التي توصلت إليها الدراسة: أن الزكاة تسعى إلى ربط الدين بالدولة وربط الدنيا بالدين، عبر تحقيق التوازن الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي. وأن شمولية المشاركين في إخراج الزكاة تجعلها الوحيدة القادرة على البناء الاقتصادي والاجتماعي. وأن الزكاة لو حصلت من كل مال خال من الدين قابل للنماء أو نام لما بقي فقير في العالم الإسلامي. وأن خصوصية الزكاة تنبع من أنها نسبة ثابتة ولا تسقط لعدم وجود الحاجة إليها. وأن انطلاق الإسلام لصناعة خطاب فاعل للتزكية بدءاً بتزكية الفرد ثم المجتمع، مع تشجيع العمل ومحاربة البطالة والفقر. وأنه لا بد من تكثيف عمل الجباية بدقة. وأهمية دور المراجعة والتفتيش للتدقيق انتهاء بالتحقق بأداء اليمين من أصحاب العمل الكبار أمام هيئات محلفين معتمدة للتحقق من صحة تأديتهم للزكاة المفروضة. وأن من يتهاون أو يتأخر في دفع الزكاة تؤخذ منه قهراً بقرار من ولي الأمر. وأن هدف إدارة مصارف الزكاة ليس مجرد صف مبالغ المستحقين بل اكتشاف وتنمية مقدرات الفئات الفقيرة والعاطلة القادرة على الكسب.