القصة باختصار كما يرويها شهود العيان يوم السبت الماضي: دخل مواطن تبدو أحواله المادية والصحية ضعيفة جداً إلى «بوفيه» الأحوال المدنية، طالباً من العامل الآسيوي تصوير بعض المستندات، أربعة مستندات بالتحديد، فمدّ له ريالاً واحداً، فنهره قائلاً إن المطلوب أربعة ريالات، كل صورة بريال، فقال له المواطن إنه سعر مبالغ فيه، لأن التصوير في الخارج عشر ورقات بريال واحد، فعاود الآسيوي نهره، فهدده بأنه سيبلّغ البلدية، فرد عليه ساخراً: «أنا 30 سنة شغل في سعودية ما في شوف بلدية». المواطن رفض تسلّم الصور، وخرج غاضباً وأسفاً على رغم محاولات الحضور دفع المبلغ عنه، ومعاتبتهم للعامل على غلظته مع رجل اتفقوا جميعاً على أن هيئته على الأقل توحي بأنه مسكين. في البدء ولغير السعوديين أوضح أن «البوفيه» في عرف الإدارات الحكومية والناس هو أحد أعمدة البيروقراطية، يبيع «الساندويتش» والشاي والمرطبات، ومن هنا جاءت التسمية، وهو يقوم بالتصوير، وبيع الملفات والأقلام، والتعقيب على بعض المعاملات، خصوصاً إذا كانت لدى موظف عليه ديون كثيرة لصالح البوفيه، أو من النوع الذي «يتمسح» عليهم. وهذا المكان الذي غالباً ما يكون في الفناء الخارجي، أو في ركن قصي، بل أحياناً يكون «مخشوشاً» هنا أو هناك لازم معظم الإدارات الحكومية لكثرة طلبات الصور من الوثائق على رغم أن بيانات الجميع في الحاسب الآلي. الأمر الآخر أن جل العاملين والمستثمرين والمتستر عليهم فيها هم من غير السعوديين على رغم ربحيتها الهائلة، وأسعارها المبالغ فيها لأنها تحتكر أماكن يحتاجها آلاف المراجعين يومياً، وهنا يبرز السؤال الأمنية: هل يمكن جعل هذه المواقع المربحة جداً، والتي تعمل فقط مع ساعات العمل الرسمية في الحكومة، أن تكون محصورة على السعوديين؟ وأن يجبر المستثمرون إذا فازوا بها أن يوظفوا فيها أبناء البلد؟ أما السؤال النظامي الآخر فهو يخص إدارة الرخص الإعلامية في وزارة الإعلام، فمن المعلوم أن هناك ترخيصاً يسمى «نسخ وتصوير المستندات» يصدر عنها في مقابل مادي، ويحظر ممارسة النشاط من دونه، فهل حصلت «البوفيهات» الموجودة في الإدارات الحكومية والخدمية على هذا الترخيص؟ أتمنى أن يكونوا قد فعلوا، وإذا فعلوا فالنظام الإعلامي يجبرهم على وضع اسم مدير مسؤول في الرخصة، بالطبع ليس هو صاحبنا أعلاه الذي لم يرَ البلدية منذ ثلاثة عقود. مؤلم ما حدث للرجل، والقصة الفردية تُروى للإفادة الجماعية، فهو لملم فقره وقهره من غلاء السعر وسوء المعاملة، في وطنه، وداخل إدارة رسمية، واستغرابه من كثرة المستندات المطلوب تصويرها، ورحل، لكنه ترك في عيون وقلوب الحاضرين أسئلة موجعة، وتساؤلات مشروعة. [email protected]