تعتبر غاليري «تاون هاوس» في القاهرة من العلامات البارزة في حركة التشكيل المصري خلال العقدين الأخيرين، اذ تعنى بتقديم نماذج مختلفة من الفنون المعاصرة، ما يجعل منها متنفساً ومؤثراً للعديد من الفنانين والمهتمين. وتتيح الغاليري لمتذوقي الفنون من المصريين والأجانب المقيمين في القاهرة التواصل باستمرار مع فنانين من بلدان مختلفة. وتتسم مستويات العروض المقدمة بنوع من الجدية والتجريب والجرأة أيضاً، وبكثافة قد لا نجدها في الكثير من القاعات الأخرى المنتشرة في القاهرة على المستويين الأهلي والرسمي على حد سواء. إلا أن العروض التي تقدمها «تاون هاوس» تتباين بحسب قدرتها على التواصل مع الجمهور صعوداً وهبوطاً، على نحو قد يفسره البعض على أنه نوع من التعالي والانفصال عن الفضاء القاهري، إلا أنه في كثير من الأحيان قد يكون مبعث ذلك الشعور بالتعالي والانفصال، القصور في الأعمال المقدمة ذاتها. ويستضيف الغاليري حالياً عرضين منفصلين لفنانين من مصر وبولندا، الأول تحت عنوان «أشكال تعويضية»، والثاني «بارديس بارديس» ويستمران حتى منتصف الشهر المقبل. تقوم فكرة العمل الأول على عرض مستنسخات لأعمال فنية معاصرة لفنانين عرب وإيرانيين. الفكرة للفنان الأميركي باباك رادبوي، يعاونه المصري أيمن رمضان الذى أشرف على تنفيذ الأعمال المستنسخة اعتماداً على صور الأعمال الموجود غالبيتها في كتالوغات مزاد «سوثبيز» في دبي. الأعمال المعروضة والتي تعد نسخاً طبق الأصل من أعمال أخرى - إلا من بعض اختلافات بسيطة ومتعمدة - نُفذت بواسطة مجموعة من الحرفيين في المنطقة المحيطة بالغاليري. واعتمد كل من رادبوي ورمضان على هذه المفارقات والاختلافات التي قد تطرأ على الأعمال المعاد تنفيذها في ظل انعدام الإتصال المباشر بين القائمين على المشروع من ناحية، وبينهم وبين الحرفيين أو المنفذين لهذه الأعمال من ناحية أخرى. ولا يهدف القائمون على المشروع إلى توجيه أي نقد للأعمال الأصلية، بل كان الأمر بحسب رأيهم مجرد محاولة للخروج بتصورات مختلفة، ولفت الإنتباه إلى ما يمكن أن تحمله الأعمال المستنسخة من قصور وعيوب ينعكس وجودها على الأعمال الأصلية. الفكرة للوهلة الأولى تبدو خلاقة، لما يمكن أن تتمخض عنه من أفكار ورؤى مدهشة ومثيرة للتأمل والمفارقة، غير أن الأمر هنا يبدو منقوصاً على نحو ما، العمل أو المشروع يفترض معرفة المشاهد بالأعمال الأصلية والتي من خلالها سيشعر بهذه المفارقة المثيرة، لكن الحقيقة أن معظم الأعمال التي أشير إليها، إن لم تكن جميعها، لم يتسن للجمهور المصري التعرف الى أصولها التي صيغت تلك الأعمال المستنسخة عنها، وعلى هذا تنتفي الفكرة أو الهدف من وراء المشروع ككل. المفارقة ما بين النسخة والأصل غير متحققة على النحو المرجو، أو غير واضحة لأن الجمهور بكل بساطة لم يشاهد أو يتعرف في الأساس الى غالبية هذه الأصول وبالتالي تم التعامل مع الأعمال المعروضة كأعمال فنية قائمة بذاتها بصرف النظر عن تلك الأصول المشار إليها، لينتهي الأمر بمجموعة من الأعمال تفتقد إلى الجاذبية والترابط في ما بينها. يتكرر الأمر، وبالصورة المبهمة نفسها وعدم الوضوح - ولكن في سياق مختلف - مع العمل الآخر (بارديس بارديس) الذي يحتل مساحة القاعة الكبرى لأربعة فنانين من بولندا هم مارسين لوديجا وياسمينا متولي (بولندية من أصل عربي) ودانيال كونيوس وفلاديمير أومانيتس. ويعرض الفنانون أربعة أعمال قدمت كعمل مشترك برؤى مختلفة، حيث يتصدر القاعة أحد أعمال التجهيز في الفراغ لفلاديمير أومانيتس، ويمثل جداراً مبطناً بالألياف والصوف، وثمة شاب وفتاة يرسمان عليه خطوطاً عرضية باستخدام الأيدي المبللة بالماء. وفي المقابل تنتصب أربعة جذوع نخيل جافة ملفوفة من الطرفين بقماش أسود وهو عمل مشترك لياسمينا متولى ومارسين لوديجا، وثمة عملان آخران للفيديو. الأعمال المعروضة يغلب عليها الإرتباك والتداخل غير الواضح، وتبدو كأعمال منفصلة على رغم كونها تمثل عملاً واحداً متكاملاً، يعرض ضمن سياق مفاهيمي أي أنه يعتمد على مفهوم محدد وواضح، إلا أن هذا المفهوم ووفقاً للورقة المصاحبة للعرض افتقد في جزء منه إلى هذا التحديد والوضوح المطلوبين.