قبل أكثر من مئة وعشرين عاماً قال هنري آدمز: إن الإنسان يمتطي العلم ويسرع به الخطى وسيأتي يوم يعجز فيه عن السيطرة على ما يخترعه من آلات وحينئذ ستكون حياته تحت رحمتها. هذه المقولة تصدق على السلاح النووي الذي تعود إرهاصات اكتشافه الحقيقي إلى نظرية العالم الألماني اينشتاين عام 1905 التي قادت إلى اختراع القنبلة الذرية حيث أكدت نظريته ان المادة يمكن تحويلها إلى طاقة كما ان الطاقة يمكن تحويلها إلى مادة. وبينما أنهكت الحرب الدول الأوروبية واستنزفت طاقاتها ظلت الولاياتالمتحدة التي دخلت الحرب متأخرة بكامل عافيتها ولذلك استطاعت في تلك الفترة من التاريخ تدشين برنامج مانهاتن الشهير بإشراف العالمين انريكو واوبنهايمر. وفي 16 تموز (يوليو) 1945 قامت أميركا بتفجير تجريبي للقنبلة الذرية في صحراء الماجوردو بولاية مكسيكو الأميركية. أميركا بلاد الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان - كما تدعي - ما أن نجحت في صنع سلاح الموت بقوته التدميرية الرهيبة غير المسبوقة في التاريخ حتى استغلت ذريعة معركة (بيرل هاربر) لتلقي أول قنبلة ذرية في التاريخ الإنساني على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 آب (أغسطس) ثم أعقبتها بثانية على مدينة ناغازاكي في 9 من الشهر نفسه لتحول المدينتين إلى ركام وتقتل مئات الآلاف من اليابانيين بجانب اعداد كبيرة من الجرحى والمعوقين والمشوهين، وما زالت آثار تلك الكارثة الرهيبة ماثلة للعيان، وأدى إلقاء القنبلة الفتاكة إلى اعلان امبراطور اليابان استسلام بلاده ونهاية الحرب الكونية الثانية. وهكذا افتتح الأميركيون النادي النووي عام 1945 ليبدأ السباق المحموم لامتلاك ناصية هذا السلاح المدمر، وشعر الاتحاد السوفياتي بخطورة السلاح الجديد وانه اذا لم يمتلكه سيصبح تحت قبضة الولاياتالمتحدة ولذلك سعى جاداً لامتلاكه، فأسند إدارة برنامجه النووي الى ثلاثة من كبار علمائه هم نشانوف وارتسيموفيتش وسخاروف، وبالفعل استقبلت صحراء اوستيورت في عام 1949 تفجير أول قنبلة ذرية تجريبية، أي أنهم لحقوا بالأميركيين في ميدان القوة النووية خلال أربع سنوات. لم تكتفِ أميركا والاتحاد السوفياتي (السابق) بهذا الانجاز النووي ففجرت الولاياتالمتحدة قنبلتها الهيدروجينية في عام 1952 ولحق بها السوفيات عام 1953 واستمر الصراع المحموم في مضمار انتاج أسلحة الفتك المريعة فقامت الدولتان باختراع أسلحة اشد فتكاً ودماراً وهي الأسلحة النيترونية التي تعتبر تطوراً بالغ التعقيد للسلاح النووي وكان أول من صممه العالم اليهودي كوهين، وهو سلاح يؤدي إلى فناء الكائنات الحية مبقياً على المباني والمنشآت، وقامت الولاياتالمتحدة بإجراء أول تجربة على هذا السلاح تحت الأرض في عام 1963 في صحراء نيفادا. وما إن جاء عام 1954 حتى استضاف النادي النووي العضو الثالث (بريطانيا) التي تمكنت من تفجير قنبلتها النووية في تشرين الأول (أكتوبر) من ذلك العام، وكان عام 1960 على موعد لدخول فرنسا ذلك النادي العظيم وتحديداً في شباط (فبراير) من العام نفسه، وانضمت الصين في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 1964 الى النادي وفي عام 1974 انضمت إليه الهند بعد ان فجرت قنبلتها الذرية وبهذا أصبح عدد الدول النووية ستاً، وعلى رغم أن إسرائيل لم تعلن تفجيرها لقنبلة ذرية الا أن الدولة العبرية هي إحدى الدول التي تمكنت من امتلاك السلاح النووي بل انها تعد الدولة الخامسة نووياً بامتلاكها أكثر من 200 رأس نووي متقدمة على بريطانيا التي في ترسانتها أكثر من 180 رأساً نووياً. وفي 11 أيار (مايو) 1998 دعمت الهند قوتها النووية بخمسة تفجيرات نووية، ولم تلتقط الهند أنفاسها ولم تنتهي أفراحها وأهازيجها حتى ردت باكستان بخمسة تفجيرات نووية وأكملت عقدها بالتفجير السادس، وبتلك التفجيرات الباكستانية فتح النادي النووي بابه على مصراعيه لتدخله باكستان وفي عام 2009 ودخلته أيضاً كوريا الشمالية على رغم الفقر المدقع الذي يعيشه سكانها، وعلى رغم الحصار الطويل المدى الذي فرض عليها. وفي 11 شباط (فبراير) الماضي وفي الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الإيرانية أعلن الرئيس نجاد (ان بلاده أصبحت أمة نووية) وبذا فإن عضوية النادي الذري قد اتسعت كثيراً بدخول دول عدة، بعد ان احتكرت الولايات الولايات المتحدة صناعة هذا السلاح المدمر لسنوات أربع ثم احتكرته أميركا والاتحاد السوفياتي (السابق) حتى 1954. وعلى رغم أن العرب التزموا (بشدة) عدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، فغابوا عن النادي النووي إلا أن المنطقة أصبحت تموج بهذا السلاح من حولهم، ويبدو ان العرب لم يتقنوا قراءة التاريخ، بل انهم لم يستفيدوا من التجارب السابقة فقبلوا ان يصنفوا ضمن الأمم الأضعف في ميدان القوة. وعلى رغم أن نسبة سكان إسرائيل لا تزيد على 1 في المئة بالنسبة الى عدد سكان الدول العربية إلا ان الدولة العبرية التي امتلكت ناصية العلم وأصبحت خامس دولة نووية في الترتيب الدولي، تمارس كل أنواع الصلف والاستعلاء وتأخذ حقوق العرب جهاراً نهاراً والعرب لا يستطيعون رد اعتداء أو إرجاع حق لأنهم لا يملكون القوة، لذلك فهم كغثاء السيل تدفعهم تيارات الأحداث كما تدفع مياه السيل الغثاء إلى مصير لا يعلمه إلا الله. وقولنا إننا لا نستفيد من دروس التاريخ لم نرمه جزافاً بل هو من معطيات الواقع، فنحن لم نتعلم بعد انه لا عزة بلا قوة، وانه لا قوة في هذا الزمن من دون امتلاك ناصية العلم والتقدم التكنولوجي، بل انه يأتي في ذيل اهتماماتنا والإحصاءات تؤكد ذلك، على رغم ان التقدم العلمي والتكنولوجي هو مفتاح القوة، وكما انه واجب سياسي ووطني فهو واجب ديني بنص قرآني قطعي (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وكيف نعد لهم القوة ونحن لا نملك عناصرها؟ ويجب ان نعلم أننا اذا لم نمتلك القوة سنظل مستضعفين، كلمتنا لا تسمع، وحقوقنا تسلب، بل وتستباح أرضنا ويذل إنسانها، وأمامنا بيان عملي فكم دولة إسلامية غزاها الأعداء واحتلوا أرضها وأذلوا إنسانها واستباحوا ثرواتها في أيامنا هذه؟ فهل لو كنا نملك القوة تجرأ علينا المتجرئون واستباح أرضنا الغزاة الطامعون، يمرغون كرامتنا في التراب ويسرقون ثرواتنا في وضح النهار؟ لا أظن. لا بد لنا طال الزمن أو قصر من أن ندرك أن القوة عنصر جوهري لوجود أي دولة وصيانة سيادتها وأمنها القومي وان القوة غاية لا وسيلة وانه لا يفل الحديد إلا الحديد، خصوصاً في ظل العلاقات الدولية المعاصرة فتبقى القوة هي الأنجع لتأكيد الأمن القومي للدولة بخاصة والأمن القومي العربي بصورة عامة في ظل الصراع العربي - الإسرائيلي الذي يحتم على الأمة الاستعداد لمواجهة خطر تهديد قائم وقادم، واستيعاب دروس وعبر الماضي والحاضر، حتى تأمن الدول العربية الابتزاز والقهر والوعيد والتهديد وهضم الحق والاعتداء على الأرض وإنسانها من الدولة العبرية وكذلك من أية دولة أخرى تملك (القوة) ما يجعلنا ضعفاء نطأطئ الرأس عن تجاوزاتها لأنها تملك (القوة) ولا نملكها. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية. [email protected]