يندرج اسم المغنية غادة رجب بين الأسماء النسائية الأولى في العالم العربي، على مستوى الغناء «الطربي» أو تحديداً الصوت «الطربي» ، ولا ينسى أي محلل موسيقي او فني ذكر طاقتها الادائية الفذة في معرض الإشارة الى المواهب الجدية في هذه المرحلة الغنائية التي تكاد تضيع فيها المقاييس. غادة رجب، لدى النقاد والفنانين مغنية «كبيرة» برغم شبابها، وحنجرتها التي تتسع لأعمالٍ عميقة من حيث الطبقات الصوتية الصعبة، تكاد أن تكون استثنائية، لكن... دائماً هناك لكن... فغادة رجب صاحبة الصوت الذكي الذي شهد نموّاً متأنياً على الأصول والقواعد، والذي تمكّن من أن يقف على منابر فنية عالية جداً مؤدياً بعض الأغاني العربية الخالدة في حفلات مشهورة، لم تستطع تجاوز هذه «اللحظة» القديمة في الغناء، في اتجاه أغانٍ خاصة تستقر في ذاكرة الجمهور الجديد. محاولاتها على هذا الصعيد كانت محدودة. على الأقل في انتشارها ان لم يكن في إنتاجها، مع أن إحدى تلك الأغاني الخاصة «ابعد عني يا ابن الناس» والتي كانت من تلحين الفنان كاظم الساهر، قطعت مسافة كبيرة جداً في الوصول الى الناس عبر الفضائيات. وتوقع كُثُر سباقاً لغادة مع زميلاتها الناجحات والنجمات بعدها، الا ان أي شيء من هذا القبيل لم يحصل، و«توقفت» غادة عند هذه الأغنية الخاصة الجميلة على رغم انها قدمت غيرها ولكن ليس على السويّة نفسها من الجودة. في مقابل ذلك استمرّ حضور غادة في الحفلات الغنائية التي تسترجع أغاني خالدة قديمة، واستمرت نموذجاً من أفضل من يقوم بهذه المهمة الخلاقة التي تتطلب موهبة راقية وشجاعة معاً في حفلات «دار الأوبرا» المصرية أو غيرها. كادت غادة رجب، في السنتين الأخيرتين إنْ لم يكن أكثر، ان تختفي عن الشاشة. كادت ان تتحول مغنية «سابقة» لأغانٍ سابقة أو أسبق بكثير، تراجع تقديمها لأغانٍ خاصة، وثمة اشارات الى أن التراجع أصاب حتى حفلاتها الغنائية المعتادة في الغناء القديم. ولا حضور للكليبات .. واذا كان بعض زميلاتها ، من وزنها الغنائي، كأنغام مثلاً يحاول اختراق «الزمان» الغنائي الحالي بتجارب فنية تُبقيه حيث الضوء بصرف النظر عن كمية الضوء وشروطه، فان غادة ... في مكان آخر، أي في مكان ينقصه الضوء وتنقصه الأغاني وينقصه الاعلام في آن معاً.. يعود السؤال نفسه: هل الأصوات المتميّزة التي ترتبط صور أصحابها بصور فنانين قدامى تركوا روائع غنائية، مكتوب عليها، أن تعاني أو تنزف من أعصابها وحيويتها عندما يتعلق الأمر بأغان جديدة خاصة بها؟ وهل المشكلة هي في هذه الأصوات ام في آلية الانتاج الغنائي الحالي؟ أم إن مواهب كبيرة كهذه تغدو متطلبة فلا يعجبها العجب بعد أدائها العجب من الأغاني القديمة المشحونة بالمقامات الغنائية المتنوعة، وبالعوالم الساحرة؟!! ليس واقع غادة رجب المؤسف هذا الا «لمحة» من أكثر من واقع آخر لفنانين كثر: المغني مدحت صالح مثلاً. يكاد يقتصر وجوده الغنائي على حفلات .. الماضي. ومع ان هناك أسباباً عدة، شخصية وفنية و«سياسية» أثرت على صالح، فإنّ انكفاء اسمه مع وجود موهبة ساطعة في حنجرته، دليل على مشكلة فنية قبل أي مشكلة أخرى، قبل مدحت صالح، المغني محمد ثروت، أو محمد الحلو، والقائمة تطول سواء بين الرجال او بين الإناث. وليس من يتمنّى لغادة رجب ان تعيش في ماضي غيرها من نجمات الغناء المُخضرمات او اللواتي شاركن في تأسيس مفاصل الأغنية العربية، وتقيم هناك.