من الواضح أن الإرهاب أصبح يشكل تحدياً حقيقياً يجابه كثيراً من المجتمعات البشرية، لأنه يمس قيمة حقيقية ألا وهي أمن هذه المجتمعات. ومن المؤسف أن المجتمع السعودي لم يكن بمنأى عن هذا الفعل البشري البغيض. لكن ما يثلج الصدر هو الإنجازات الأمنية المتتالية التي تحققها الأجهزة الأمنية في المملكة. فمنذ أن تنامت ظاهرة الإرهاب بشكل تدريجي في المملكة في عقد التسعينات ونحن في مواجهة حقيقية مع فئة خارجة عن القانون والعرف، تحاول أن تمس رفاهية وطمأنينة المجتمع، لكنها في الوقت ذاته تلاقي فشلاً بعد آخر، نتيجة يقظة أجهزة الأمن وإدراك الفعاليات المختلفة في المجتمع السعودي للضلال الذي أصبح يخيم على عقول هذه الشرذمة القليلة. إن إعلان وزارة الداخلية القبض على عدد كبير من الإرهابيين، إضافة إلى تنظيمين إرهابيين، يعملون جميعاً على نشر الفتنة والخوف والدمار في أوساط المجتمع السعودي، لهو دليل قاطع على النوايا السيئة التي تضمرها هذه الفئة للمجتمع بعناصره المادية والبشرية كافة. في الوقت ذاته الذي يدل على يقظة أجهزة الأمن السعودي في أداء دورها بفعالية للحفاظ على الأمن ودعم مسيرة التنمية الوطنية. كما يمكن القول إن استمرار هذه الفئة في محاولة القيام بأعمال إرهابية داخل المملكة، بالتنسيق مع جهات خارجية، دليل على وجود تقاطع في المصالح مع تنظيمات غير مسؤولة، هدفها النيل من المملكة. وتحاول هذه الفئات استغلال حقائق التاريخ والجغرافيا في المنطقة لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها البغيضة. لقد أصبح من الواضح أن هناك إسقاطات كبيرة لما يحدث في اليمن على الأمن في المملكة. فتنظيم القاعدة بدأ ينتهج أسلوباً جديداً في العمل الإجرامي منذ تفكيك قواعده في أفغانستان. هذه الاستراتيجية الجديدة تقوم على الانتشار الأفقي واللامركزية، بحيث يتمدد التنظيم حيث تكون الفرصة سانحة. وهكذا انتقل معظم نشاط القاعدة إلى العراق بعد الاحتلال الأميركي له لفترة من الزمن، لكنه بعد تشديد الخناق عليه بدأ يبحث عن ملجأ آخر فانتقل إلى اليمن نظراً إلى مشكلات عدم الاستقرار التي تعيشها دولة اليمن. ومع تفاقم الخلاقات بين الحكومة اليمنية والجماعة الحوثية بدأت القاعدة تحاول الاستفادة من الفراغ الأمني الحاصل هناك لترسيخ وجودها والبدء بعمليات نوعية، بخاصة ضد المملكة نتيجة القرب الجغرافي. إن إعلان وزارة الداخلية الأخير القبض على أكثر من مئة من الجماعات الإرهابية شاهد حي على أهمية استقرار اليمن من ناحية، ومحاولة استغلال القاعدة للفراغ الأمني في شمال اليمن وعلى الحدود السعودية مع اليمن للتسلل إلى السعودية والقيام بأعمال إرهابية فيها من ناحية أخرى. إضافة إلى أن القاعدة تحاول استغلال الوضع المتردي في الصومال ووجود جماعات تدين بأيديولوجية القاعدة نفسها، كتنظيم الشباب المؤمن، لتعزيز التعاون بينهما، ما يؤثر سلباً في الاستقرار الإقليمي. المشهد الإقليمي معقد وعلى قدر كبير من الانكشاف، ما يجعل لكل حدث إسقاطاته الإقليمية. واليمن اليوم لا يعيش سعيداً كما كان يُسمى، بل هو في مواجهة مستمرة مع تنظيمات خارجة عن القانون، لكن القدرات الأمنية والعسكرية اليمنية محدودة إذا ما أخذت في سياق الوضع الاجتماعي المعقد والتدخل الإقليمي في الشأن اليمني. لذلك فإن محاربة القاعدة في اليمن تتطلب مزيداً من التنسيق الإقليمي والدولي، وبحاجة إلى يقظة مستمرة وعمل دؤوب، لأننا لا نزال في بداية محاربة هذا التنظيم الشرير. * استاذ العلوم السياسية في جامعة الملك عبدالعزيز