انتهى الاجتماع الذي عقد بين الرئيس باراك أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، من دون أي اختراق يذكر في تحريك عملية السلام، في ظل استمرار الخلاف الأميركي - الإسرائيلي في موضوعي الاستيطان ومصير القدس. وعلى مدى ساعة ونصف الساعة، استقبل أوباما نتانياهو في خلوة بينهما في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، تبعتها اجتماعات استمرت ساعتين لرئيس الحكومة الإسرائيلية مع مستشاري الرئيس الأميركي، بينهم رام ايمانويل وديفيد أكسلورد، ومسؤولين في مجلس الأمن القومي بينهم مستشار الأمن القومي جيمس جونز والمبعوث السابق دنيس روس. وفي مفارقة عن اللقاءات الأميركية - الإسرائيلية على هذا المستوى، لم يعقد أي مؤتمر صحافي، ولم يصدر البيت الأبيض أي بيان عن الاجتماعات، وسيطر التعتيم الإعلامي على لقاءات نتانياهو في وزارة الخارجية الأميركية وفي عشائه مع نائب الرئيس جو بايدن. وأكد مسؤول أميركي ل «الحياة» أن واشنطن تختلف مع نتانياهو في موقفه من القدس، إذ «تعتبرها من قضايا الحل النهائي، ويجب حلها عبر المفاوضات»، وذلك بعد خطاب نتانياهو أمام لجنة العلاقات الإسرائيلية - الأميركية (إيباك) الذي اعتبر فيه أن القدس «ليست مستوطنة بل عاصمة لإسرائيل». وكان لافتاً قول الناطق باسم البيت الأبيض انه «فيما لا يرى نتانياهو فرقاً بين البناء في القدس والبناء في تل أبيب، نحن نختلف معه في هذا الشأن ونميز بينهما». وفسرت أوساط إسرائيلية تصريحات أميركية مماثلة على أنها رفض لادعاءات نتانياهو بأن العلاقات الثنائية «يجب ألا تكون رهينة الخلافات بين البلدين في شأن عملية السلام»، وأنه «في حال أيد الأميركيون المطالب غير المنطقية التي يطالب بها الفلسطينيون في شأن تجميد البناء في القدس، يمكن أن تشهد العملية السياسية جموداً لمدة عام». وطغى الخلاف الأميركي - الإسرائيلي على جدول أعمال زيارة نتانياهو ولقاءاته في الكونغرس ووزارة الخارجية. ونقلت تقارير إعلامية «عدم اكتفاء» الجانب الأميركي برد نتانياهو على الإدارة في الرسالة التي بعث بها لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بعد اندلاع الأزمة في شأن ال 1600 وحدة استيطانية المخطط بناؤها في القدسالشرقية. وأشارت التقارير الى أن المرحلة المقبلة ستكون «امتحاناً» لنتانياهو، إذ تنتظر واشنطن خطوات ملموسة منه في موضوع الاستيطان وتحسين الوضع في الضفة الغربية وغزة تعكس نيته الدفع بعملية السلام وتؤدي الى استئناف المفاوضات. بدورها، استخلصت صحيفة «واشنطن بوست» في عددها أمس أن ديناميكية العلاقة الأميركية - الإسرائيلية «تتغير» في شكل يثير قلق الكثير من اليهود الأميركيين. وذكرت أن نهج إدارة أوباما ووضعه «تسوية النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وليس فقط العلاقة الإسرائيلية - الأميركية» ك «مصلحة الأمن القومي الأميركي»، غيرت قواعد اللعبة. وكان رئيس القيادة المركزية في الجيش الأميركي ديفيد باتريوس أكد في شهادة أمام الكونغرس الأسبوع الماضي «أن النزاع (بين الفلسطينيين والإسرائيليين) ينمي مشاعر العداء ضد أميركا لأن الولاياتالمتحدة تبدو بصورة منحازة لإسرائيل». التوتر مستمر وفي إسرائيل، تعاطت وسائل الإعلام العبرية مع لقاء نتانياهو مع أوباما كتعاطيها مع «أحجية» لم تستطع توفير حلول قاطعة لها، وإن غلبَ على تقارير مراسليها الاعتقاد بأن الاجتماع لم يبدد التوتر بين البلدين الناجم عن الاستيطان. وأبرزت وسائل الإعلام العبرية حقيقة أن الاجتماع عقد في ساعة متقدمة من مساء الثلثاء، ومن دون تغطية إعلامية، تماماً كما حصل خلال اللقاء السابق بين الرجلين في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وأفادت صحيفة «هآرتس» أن المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة الإسرائيلية نير حيفتس والناطق باسم البيت الأبيض روبرت غيبس تناقشا لساعات في شأن مضمون البيان المشترك إلى أن اتفقا على القول فيه إن اللقاء عقد «في أجواء طيبة»، وإن «فريقي (البلدين) سيواصلان اليوم (أمس) مناقشة الأفكار التي جرى بحثها خلال هذا اللقاء». وأدى التعتيم إلى اجتهادات إعلامية في إسرائيل لاستشراف ما حصل، واتفق المراقبون على أن الاجتماع لم يسفر عن تحقيق انفراجة في الأزمة التي تأججت مع وصول نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إلى إسرائيل قبل أسبوعين والإعلان عن إقرار البناء الجديد في مستوطنة في القدسالمحتلة. وأشارت وسائل الإعلام العبرية إلى بقاء نتانياهو في البيت الأبيض لنحو ساعتين بعد لقائه أوباما أجرى خلالها مشاورات مع كبار مرافقيه، وبينهم وزير الدفاع ايهود باراك، قبل أن يطلب لقاء أوباما ثانية لنصف ساعة في اجتماع لم يحدد سابقاً. وتوقع محللون أن يكون أوباما فاجأ ضيفه بطلب توضيح مواقف إسرائيل من عدد من المسائل «بعدما لم يقتنع بما سمعه منه». وأشار المعلقون إلى أن الأزمة الحقيقة تنبع من عدم ثقة الإدارة الأميركية بنتانياهو وتصديق التزامه بألا يفاجئ واشنطن بقرارات جديدة عن بناء جديد في القدسالمحتلة. وأشارت إلى أنه قبل نصف ساعة من اللقاء بلغ مسامع البيت الأبيض قرار البلدية الإسرائيلية للقدس منح شركة استيطانية حق الشروع في البناء الاستيطاني في حي الشيخ جراح في القدس، وهو مخطط مثار خلاف، إذ سبق للولايات المتحدة وبريطانيا أن احتجتا عليه الصيف الماضي. ونقلت «يديعوت أحرونوت» على موقعها على الانترنت عن مصدر إسرائيلي تحدث إلى مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية، قوله إن أوباما وكلينتون «ليسا راضيين من الرسالة» التي نقلها نتانياهو إليهما وضمّنها الخطوات الإسرائيلية لإعادة الثقة، مضيفاً أن الإدارة الأميركية قررت تخفيف علنية الأزمة مع إسرائيل، لكن مع الإبقاء على التوتر إلى حين يتيقن أوباما وكلينتون من جدية نتانياهو في شأن اللفتات الطيبة التي تعهد القيام بها تجاه الفلسطينيين. وأضافت إن الإدارة الحالية ترفض اقتراح نتانياهو بالإبقاء على السياسة الأميركية السابقة التي قضت بأن «الولاياتالمتحدة وإسرائيل لا تتفقان في مسألة البناء في القدسالشرقية»، من دون خلق أزمة في كل مشروع جديد للبناء. ورأى المستشار الخاص لرئيس الحكومة السابق أرييل شارون المحامي دوف فايسغلاس أن الاستقبال «غير الدافئ» لنتانياهو في البيت الأبيض يؤشر إلى أزمة حقيقية، وأن أوباما أراد «تبليغ رسالة سياسية لنتانياهو». وقال للإذاعة العامة إن لقاءات على هذا المستوى تتم في العادة بعد الاتفاق المسبق بين مستشاري الزعيمين على المسائل المختلفة التي يتم بحثها، على أن يكون لكل طرف توقع واضح لما سيقوله الآخر. وزاد أن إجراء لقاء ثان بين أوباما ونتانياهو قد يؤشر ربما إلى عدم تناغم بينهما. ونصح رئيس الحكومة بعدم تكرار الخطأ (الذي ارتكبه خلال ولايته الأولى) بالاعتماد على الخلافات بين الكونغرس (الجمهوريين) والإدارة الأميركية للتأليب على أوباما.