التصريحات التي زادت وتيرتها أخيراً عن تصميم الولاياتالمتحدة على منع ايران من التحول إلى دولة نووية، لا تعكس حقيقة النقاش الدائر في اوساط الإدارة الأميركية والدوائر السياسية والفكرية القريبة منها في شأن السلوك الواجب اتباعه والحدود التي يفترض عدم التراجع عنها في حال نجاح طهران في انتاج القنبلة، وكأنه بات امراً مسلماً به. وربما لهذا يشعر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو انه غير ملزم بتقديم تنازلات لواشنطن في موضوع الاستيطان طالما ان هذه تواصل كف يده في المسألة الإيرانية، وتتولى معالجتها على طريقتها التي لا ترضي اسرائيل. هذا التسليم الأميركي الضمني بإيران نووية عكسته رسالة أوباما الجديدة الى الإيرانيين في عيد النوروز، وتأكيده مواصلة مد يد الحوار ورغبته في معرفة ما تريده طهران منه، وضغوط واشنطن المستمرة على اسرائيل لانتزاع تأكيدات بأنها لن تنفرد بعمل عسكري. ويعكسه ايضاً التأخير الحاصل في تقديم مشروع قرار بعقوبات جديدة الى مجلس الأمن افساحاً في المجال امام مزيد من الحوار غير المباشر، حتى الآن، مع القادة الإيرانيين. ويؤكد مقال بعنوان «ما بعد حصول ايران على القنبلة» نشرته مجلة «فورين افيرز» الأميركية في عددها الأخير، ان اي ضربة عسكرية ضد إيران، اذا نجحت، لن تستطيع الغاء البرنامج النووي، بل فقط تأخيره بضع سنوات، وأنه اذا تواصلت وتيرة تخصيب اليورانيوم الحالية فإن ايران قد تنتج القنبلة قبل انتهاء ولاية أوباما في تشرين الثاني (نوفمبر) 2012. ويقترح المقال على الإدارة الأميركية التكيف مع هذا الواقع القريب، ووضع شروط على ايران كي تثبت لها ان ليست هناك ميزات في الحصول على القنبلة، بل ان ذلك سيؤدي بها على العكس الى مزيد من العزلة. ويحدد المقال هذه الشروط بثلاثة: «عدم اعلان ايران حرباً تقليدية على اي بلد ثالث، وعدم نقل التكنولوجيا او المعدات او السلاح النووي الى طرف ثان، وعدم زيادة دعمها للمنظمات الإرهابية، تحت طائلة تعريض نفسها لضربات عسكرية انتقامية وبكل الوسائل الممكنة». أي رسم حدود للدور الإقليمي الذي تطالب طهرانواشنطن بالاعتراف لها به. وفي ضوء اصرار واشنطن على ان الحل لملف ايران سيكون ديبلوماسياً حتى لو امتلكت القنبلة، يمكن النظر الى التشديد الأميركي المتكرر على العلاقة المميزة جداً مع اسرائيل والأمن المشترك الذي لا ينفصم، لمناسبة اللقاءات الأميركية الإسرائيلية المتعددة حالياً، على انه بمثابة ضمانات للدولة العبرية بأن حصول ايران على القنبلة لن يهددها، ولا علاقة له بالخلاف القائم مع الفلسطينيين والعرب حول الاستيطان والقدس، سوى من زاوية تبعات الملف الإيراني. وكانت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون واضحة تماماً عندما عرّفت في كلمتها امام منظمة «ايباك» الخطر الجديد الذي يهدد أمن اسرائيل بأنه ايراني وليس عربياً، وأشارت الى «صواريخ اكثر دقة وقوة وأبعد مدى» ترسلها طهران الى المنطقة المحيطة بإسرائيل في لبنان وغزة، وأن إبعاد هذا الخطر يعتمد على تفهم اسرائيل وقبولها المقاربة الأميركية والمشاركة في وضع خريطة النفوذ الجديدة في المنطقة.