يحاول كتاب «قضايا السُمنَة: بين علم الاجتماع والعلوم الأخرى» (تحرير جينا تشيليا، وألكساندرا جونستون، ترجمة الزميل محمد السقا- صدر أخيراً عن «المركز القومي المصري للترجمة»)، توضيح جوانب مختلفة عن «وباء السُمنَة». وفي شرحه لتلك المشكلة، يعتمد الكتاب طريقة منهجيّة عبر تغطية عدد من الموضوعات بداية من علم الاجتماع، ومروراً بالطب، ووصولاً إلى التكنولوجيا. ولا يتوجّه الكتاب للخبير المتخصص، بل أنه مصمّم للقارئ العادي الذي يريد الوصول إلى معلومات معمّقة عن مشكلة السُمنَة. يحمل الفصل الأول عنوان «شكل الإناث في وسائل الإعلام». وتستكشف فيه سارة بيدرسن موقفاً منحازاً حيال السُمنَة، تتمثّل في إشادة وسائل الإعلام ب»الرشاقة المثاليّة»، مع «وصمة عار» تلازم البدناء. في المقابل، يرى الكتاب في ذلك الأمر تناقضاً مع واقع الزيادة المتصاعدة في أعداد من يعانون السُمنَة في المجتمعات الغربيّة. ويخلص الفصل إلى ملاحظة أنّ وسائل الإعلام تتلاعب بالتصوّرات المتّصلة بصورة الجسم عند الجمهور الواسع، بل يحمّلها مسؤوليّة تشكيل الهوس الجمالي للنحافة في مجتمعات استهلاكيّة، سعياً لتعزيز صورة زائفة وغير قابلة للتحقّق عن الجسد الإنساني. وتحت عنوان «المحدّدات الاجتماعيّة للبدانة»، يخصّص مات كيفورتب فصلاً لنقاش الأسباب الاجتماعية للبدانة، مشيراً إلى زيادة البدانة في الشرائح التي تقع في أسفل السلّم الاجتماعي. ويرى كيفورتب أن الأمر لا يرجع إلى مجرد اختلاف في نمط الغذاء بين شرائح المجتمع، بل يتأتى أيضاً من الاختلافات في أنماط العمل في المجتمعات الغربيّة التي تجمع الحريّة الفرديّة مع التحرر الاقتصادي المعولم. ويكتب آرثر ستيوارت فصلاً يخصّصه لنقاش مشكلات تتعلّق بمنهجيّة تحديد السُمنَة وقياسها، كما يوضح أن ذلك الأمر يؤثّر فعليّاً في الأشخاص الذين يعانون السُمنَة. «جي بي أس» البدناء! هناك فصل شديد الإثارة في كتاب «قضايا السُمنَة...» يحمل عنوان «تكنولوجيا السُمنَة: الوقاية والعلاج». إذ يشدّد فيه كاتبه ريتشارد بتلر على أنّ القرن الحادي والعشرين هو زمن التقنيّات الرقميّة من دون منازع، ما يعني أن دخولها إلى مشكلة السُمنَة هو أمر حتمي. ويشير إلى أن المعلوماتيّة تمثّل بعداً جديداً في مشكلة السُمنَة عبر الاستخدام المتوسّع للبرامج والرقائق الإلكترونيّة الدقيقة في المعالجة للسُمنَة. وكذلك يتوقّع بتلر أن يشهد المستقبل القريب استخدام «نظام تحديد المواقع العالمي («جي بي أس» GPS) في تعقب الاستهلاك الفردي للبدناء من الأطعمة، وإعطاء معلومات تفصيلية عن طريقة حصول الأفراد على الأطعمة التي تمدّهم بالطاقة من جهة، والطرق التي تمكّنهم من التخلّص من فائض الطاقة كي لا تتراكم في الجسم على شكل دهون يترتب عليها سُمنَة فائضة. ويرسم صورة مستقبليّة تتضمن متابعة البدين عبر ال»جي بي أس»، ثم إمطاره برسائل عبر الخليوي على شاكلة «تناول وجبة خفيفة»، في حال أنه حصل على كمية الطعام التي تكفي لإمداده بالطاقة من دون التسبّب بالسُمنَة! وتحت عنوان «الإنسان السمين- نوع جديد من الجنس البشرى: إدارة الوزن، الوقاية والعلاج»، يخصّص ايان بروم فصلاً للحديث عن التحديات الطبيّة المباشرة في علاج مرضى البدانة. كذلك يناقش بروم أسئلة من نوع: ما السُمنَة؟ هل هناك سبب واحد لأنواع السُمنَة كافة؟ هل يمكن التعامل مع ذلك السبب أو تلك الأسباب؟ كيف؟ ويشير بروم إلى أن أشد العوائق صعوبة تكمن في حقيقة أن البدانة لدى الإنسان تملك بعداً تطوّريّاً يرجع إلى زمن ظهور النوع البشري بوصفه «الإنسان العاقل»، قبل عشرات آلاف السنين. واستطراداً، يلقي ذلك البعد التاريخي التطوّري بتحدّيات متنوّعة على مقاربة مشكلة البدانة فرديّاً واجتماعيّاً. وفي فصل عنوانه «السُمنَة وفقدان الوزن: الأساطير والواقع»، تناقش آلكسندرا جونستون وسو بيرد، ما يمكن اعتباره «الكأس المقدّسة» لعلاج السُمنَة. تتمثّل تلك الكأس في اتباع نظام غذائي متوازن ومتلائم مع حياة الفرد في مراحل حياته المختلفة. وتشدّد الكاتبتان على أن التوصّل إلى ذلك النظام ليس أمراً سهلاً، وفق ما يقرّ به معظم من مارسوا حمية غذائيّة لخفض الوزن. وتستكشف جونستون وبيرد عدداً من «الخرافات» المتعلّقة بحمية الغذاء، فتقتبسان جملاً خاطئة وشائعة على غرار «وزني يزداد بمجرد النظر إلى كعكة بالكريما»، و»أنا لست بديناً، لكن لدي عظام كبيرة»، و»يا دكتور، سمنتي سببها جيناتي وليس طعامي»، و»بمجرد أن أفقد وزني أستعيده مرة أخرى» و»فقدان الوزن صعب لأني أشعر بالتعب مع خسارة الوزن» وغيرها. ماذا عن الخمول؟ وفق فصل عنوانه «الخمول البدني، وتنظيم الشهية والسُمنَة»، يعتبر كينج وكولي وبيرن وهيلز وبلونديل أن السُمنَة تنجم عن الخمول، بصورة أو بأخرى. ويشير الكتّاب إلى أن البشر باتوا يقضون أوقاتاً طويلة في الجلوس، بأكثر مما فعله الجنس البشري منذ ثمانين ألف سنة من تطوره. إذ طالما كان البشر دائمي الحركة والتنقل (مثلاً للصيد والزراعة والحصول على الغذاء). ومع استقرار المجتمعات البشريّة، ثم ظهور الصناعة وتطوّر مجتمعاتها وصولاً إلى الأزمنة الحديثة، باتت معيشة الأفراد أكثر سلاسة وأوفر راحة مما كانته تاريخيّاً. ويعني ذلك أن الأفراد لم يعودوا يحرقون سعرات الطاقة الحراريّة، بمثل ما فعل أجدادهم وأسلافهم الغابرون. ثمة فصل يحمل عنوانه «هل السُمنَة حالاً نفسيّة»؟ ويناقش فيه لورين وكريستوفر أونشر وآلان جليبتر، السُمنَة كحال نفسيّة، مع التركيز على أن البدانة ليست مجرد معطى بيولوجي في الجسد. فيزيولوجية. ويشدّد الكاتبان على أن أمر السُمنَة يتعلّق بالسعرات الحراريّة، لكنه يتّصل أيضاً بالمشاعر والعواطف والتقلّبات النفسيّة ونظرة الفرد إلى نفسه ومدى رضاه عن حاله، بما فيها نظرته إلى جسده وصورته.