الغبار يعكّر المزاج، وكنت كتبت عن غبار بكميات إضافية نلحظه بجوار مشاريع ضخمة وعملاقة في العاصمة الرياض معتبراً إياه كالعطر، وصادف أن جاء بعد نشره يومان متشحان بالرمال العاصفة، فتوقع البعض أنني أتحدث عنهما بكل هذا الغزل الوطني، حتى إن أحدهم يعتقد أنني كائن «غباري». الغبار يصيب بالتوتر الناس وعلاقاتهم ببعضهم وبالأشياء من حولهم، ففي البدء تشن ربات البيوت حملة نفسية على العاملات المنزليات لإقناعهن بغسيل «الحوش»، ويفعلن ومن باب التنفيس يسرفن في رش الماء، فيأتي مراقب مصلحة المياه مدججاً بالمخالفات و«المفكات» يريد قطع الخدمة عن المنزل. في المرحلة الثانية يتوتر الزوجان، فالرجل يأتي متعباً يطلب غداءه مثلاً، فيصدم بالمخالفة وقطع المياه، فيصب جام «جوعه» على حرمه المصون، ثم يكمل الحفلة هاتفياً مع مصلحة المياه إذا وُفّق في «صيدهم» على الخط، وفي حالات أخر يفضل الذهاب إلى مقرهم لحل الإشكال «على الهواء مباشرة». الزوجان يتوتران أيضاً عندما يحتاج أحد الأطفال للذهاب إلى الطيب أو إلى جلسة البخار والأكسجين مباشرة بالنسبة إلى الخبراء «المدقدقين»، فواحدهما يريد الآخر أن يذهب به، وينشأ الخلاف. التوتر أيضاً يسود بين أصحاب «البناشر» وجيرانهم أو شركائهم من أصحاب مغاسل السيارات، إذ تمتلئ المغاسل بالمنتظرين فيسدّون على «البنشري» واجهات محله وربما وقفوا فوق الحفر الخاصة به من دون أن تكون لهم رغبة في تغيير الزيت، فيحنق عليهم وينتقل بحنقه إلى جاره الغسال مدفوعاً ببعض الحسد. وحدهن بعض البنات يشعرن بالألفة، إذ يصبح شعر جميع الرجال مشوباً بالأبيض فيسترجعن نظرية أو فيلم «العذراء والشعر الأبيض»، حيث يبدو جميع «المطافيق» وقورين وكأنهم في الخمسينات. الغبار يغتال رونق الشجر، بهجة الزهر، ولمعان القمر، لكنه قدر نحمد الله دوماً أن لم يجعله أعظم كما تقول الجدات في دعائهن. الغبار يجعل البعض يزهد في الألوان، فيذهب مباشرة إلى لون غباري خارجي أو داخلي، ويحاول أن يكون معظم أثاث المنزل متناسقاً مع ألوانه الثلاثة أو الأربعة التي بتنا نراها أخيراً وهي الأبيض «المشهب» والأحمر «المقشب» والأصفر «المشبب» للبشرة والحنق والتهابات الحلق. وأخيراً يقدم الإعلامي عزاز العزاز فكرة لمرضى الربو والحساسية للتخلص من ذرات الغبار العالقة بالهواء داخل المنزل، وهي رش الغبار باستخدام رشاش الماء المستخدم في كي الملابس، وستلحظ أن ذرات الغبار بدأت تتساقط شيئاً فشيئاً، وبودي سؤال الزميل العزيز: «ما حولك بخاخ أو فكرة ضد التوتر؟». [email protected]