يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يعتبر أن المسؤولين الأميركيين الذين زاروه لم يسمعوا ما أبلغهم إياه، وإن سمعوا لم يفهموا، وإن فهموا لم يصدقوا. لذلك أعلن من عاصمتهم، وعلى مسمع العالم كله، أن القدس ليست «مستوطنة» وإنما عاصمة إسرائيل. وذلك بعدما شدَّد، عشية شدِّ الرِّحال الى واشنطن، على أن الاستيطان في القدس مثله مثل تل ابيب. وهو حضّر للقائه الرئيس الأميركي بإعلان أن كل ما عدا ذلك قابل لتسوية تسهل على الولاياتالمتحدة سياستها في المنطقة كما طالبت الوزيرة هيلاري كلينتون وقبلها الجنرال ديفيد بترايوس. إذن لا مناقشة مع الأميركيين في الاستيطان اليهودي في القدس التي تتوسع دائرتها الإدارية لتأكل مزيداً من الأراضي في الضفة الغربية. يعرف نتانياهو أن الهاجس الأميركي الطاغي هو استعادة مفاوضات مع الفلسطينيين يمكن ان تبيعها إدارة الرئيس باراك اوباما للعرب كإثبات لنية الاهتمام بعملية السلام. ويعرف مدى الإلحاح الأميركي في هذا الصدد، بعد سلسة الإعلانات من اوباما لأهل منطقة الشرق الأوسط وتفهمه لثقافتهم وحضارتهم، وسلسلة الوعود التي قطعها لهم للقضية الفلسطينية، ومنها حل الدولتين. ويعرف أيضاً شدَّة هذا الإلحاح حالياً بفعل المواجهة مع إيران والتخبط في أفغانستان وترتيب الأوضاع في العراق. لكن نتانياهو يرى، في الوقت نفسه، أنه غير معني بهذه الضرورات السياسية الأميركية، وبأن على الأميركيين ان يطوّعوا هذه الضرورات لتتطابق مع سياسته، ما دامت الإدارة الأميركية الحالية تعتبر «أن التزامها دعم أمن إسرائيل صلب كالصخر، لا تشوبه شائبة، موثوق ودائم»، كما أعلنت كلينتون. فهو مُطمئنٌّ الى هذا الالتزام الذي تتسع دائرته مع اتساع المطالب التي قدمتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة. ولم يحُل دون هذا الالتزام الموقف الأميركي المستمر من رفض اعتراف الإدارات الأميركية المتعاقبة بضم القدسالشرقية الى إسرئيل. لا بل يعتبر أن موضوع الجدل الحالي بين الجانبين، اي وقف الاستيطان في القدسالشرقية، كإجراء ثقة لمعاودة التفاوض مع الفلسطينيين، هو استمرار للموقف الرسمي الأميركي منذ قرار ضم القدس بعد حرب 1967. وتالياً لا يتأثر بالمناقشة الحالية للجهود السياسية الأميركية الحالية لمعاودة إطلاق المفاوضات. بالنسبة الى نتانياهو تتجاوز قضية الاستيطان في القدس السياسة وضروراتها. إنها مكوِّن أساسي من مكونات «الدولة اليهودية» كما يراها. وهي مكوِّنات يحددها أكثر القطاعات تعصباً ويمينية في إسرائيل. ويبدو انه مستعد للرضوخ لهذه القطاعات وأهوائها وإيديولوجيتها أكثر بكثير من التأثر بضرورات السياسة الأميركية في المنطقة. وهذا ما فعله خلال وجود نائب الرئيس الأميركي في القدس، عندما أعلنت وزراة الداخلية التي يتولى حقيبتها إيلي يشائي من حزب «شاس» المتطرف مشروع بناء 1600 وحدة سكنية في القدسالشرقية. كما نشرت الصحافة الإسرائيلية، خلال وجود نتانياهو في واشنطن، أن ثمة مخططاً جديداً لبناء 200 وحدة سكنية في حي الشيخ جراح في القدسالشرقية. وهذا ما فعله عشية سفره الى واشنطن عندما وافق على نقل مستشفى من موقعه الحالي في عسقلان بناء على طلب زعيم الحزب الديني المتطرف «يهدوت هاتورة» نائب وزير الصحة يعقوب ليتسمان الذي ادَّعى ان غرفة الطوارئ تقوم فوق مدافن يهودية أثرية، في قرار أجمع المعلقون الإسرائيليون على وصفه بأنه فضيحة سياسية ومالية اقدم عليها رئيس الحكومة من أجل إرضاء المتدينين المتطرفين اليهود. وقبل هذه وتلك، لا يزال نتانياهو يتمسك برئيس الديبلوماسية الإسرائيلية افيغدور ليبرمان برغم فجاجة تطرفه الذي أدَّى الى كثير من الإشكالات مع ممثلي دول العالم. ولذلك، وبغض النظر عن حرارة اللقاء أمس بين اوباما ونتانياهو وإشاعة مكتب الأخير أجواء التفاهم والتقدير المتبادل وتوافق المصالح الخ...، لن يكون في وسع الإدارة الأميركية ان تنتزع من نتانياهو الاعتراف بأهمية ضرورات سياستها الشرق اوسطية وأخذ هذه الضرورات في الاعتبار.