منذ 14 كانون الثاني (يناير) 2011، تصاعدت وتيرة العنف داخل الوسط المدرسي في تونس، وزادت التجاوزات ضد الأطر التربوية والمؤسسات. وهي ليست عموماً وليدة الظرف الذي تعيشه تونس منذ ما سُمّيَ ب «شرارة الربيع العربي»، لكنها قديمة وتعود لسنين طويلة لكنها تفاقمت أخيراً. وبلغة الأرقام هناك مئات القضايا المرفوعة والمتعلقة بإعتداءات على معلمين وأساتذة. وعادة ما يكون المعتدون إمّا تلاميذ أو أستاذة أو غرباء عن المؤسسات التعليمية، يدخلون ويعبثون من دون رادع أو عقاب. وأساساً، تتمثل أهم أسباب العنف المدرسي بحسب إختصاصيين في إحساس التلميذ بعدم التقدير اللازم في المؤسسة التربوية، وأنه غير حر في التعبير عمّا يخالجه، فضلاً عن تعرّض تلاميذ إلى الاذلال أو الإهانة من قبل المربّي كلما أبدى اعتراضه على وضع ما لا يجده سوياً، كما يؤكد تلامذة كثر، هذا إضافة إلى المسافة الكبيرة والشاسعة أحياناً بين المدرس والتلميذ. ويشير إختصاصيون إلى أنّ حدة العنف زدات بعد «الثورة» لأسباب عدة، لعلّ أهمها إحساس الكثير من الشباب بضعف جهاز الدولة وإمكان النجاة من العقاب. شتائم وضرب والحديث عن العنف المدرسي ذو شجون وحكاياته تطول، وننطلق مع سميّة التي تدرّس اللغة الإنكليزية في المرحلة الإعدادية التي تعرضت للعنف مرتين من والد أحد طلاّبها. وتقول: «لم أكن أتوقّع أن معاقبتي لتلميذي ستجرّ عليَّ وابلاً من الشائم والكلام المُشين، ثم وفي مرحلة أخرى إعتداء جسدياً». وتضيف: «اعترضني رجل في الخمسين من عمره تقريباً وأمطرني بالشتائم ونعتي بأبشع النعوت، قبل أن يهددني في حال تجرأت وعاقبت ابنه مرة أخرى، أو أعطيته تقويماً لا يعجبه ثم انصرف». وتتابع: «بعد أسبوعين وجدته واقفاً قرب سيارتي وبمجرد اقترابي منه دفعني بقوة وأسقطني أرضاً وعاود تهديدي. طبعاً هرب من المكان بمجرد أن صحت بصوت عالٍ، ما جعل عدداً من زملائي وزميلاتي يأتون بسرعة وتقدمت بشكوى في قسم الشرطة. لكن بعضهم نصحني أن أتصالح معه كونه صاحب سوابق وكوني غريبة عن المدينة وأسكن بمفردي». في السياق عينه، اعتصم معلمو أحد المدارس في محافظة ساحلية وقرّروا الإضراب يوماً واحداً من أجل إيصال صوتهم إلى المسؤولين لوضع حدّ للتجاوزات التي تحصل يومياً، إذ يتجاوز غرباء سور المدرسة ويتجولون في حرمها وكأنهم في الشارع، فضلاً عن إعتداءات كثيرة يتعرّض لها تلامذة ومدرّسون، كما طعن الحارس في رقبته ويده، بحسب مديرة المدرسة التي تؤكد أن «الإعتداءات لا تقف عند حدّ ولا عند أشخاص بعينهم، بل تخطت الحدود كلها وأصبحت أمراً واقعاً وجب التعامل معه بأساليب تبحث في أسبابه وجذوره لإيجاد حلول واقعية ومجدية، تقطع الطريق أمام هذه الظواهر التي تسيء إلى المجتمع والفرد في آن». هل من حلول؟ في أواخر عام 2012، باشرت وزارة التربية التونسية وضع استراتيجية متكاملة للقضاء على العنف في الوسط المدرسي، وتتضمن جوانب الوقاية واكتشاف السلوكيات العنيفة، فضلاً عن المرافقة النفسية لضحايا العنف. وتتوجه هذه الإستراتيجية أساساً إلى التلاميذ والأهل، إضافة إلى الجسم الإداري والتربوي. كما تتوجه إلى الجمعيات المهتمة بهذا القطاع وإلى المؤسسات الحكومية المعنية ووسائل الإعلام. وترمي هذه الإستراتيجية إلى إعداد الإطار التربوي للوقاية مسبقاً فضلاً عن تجذير ثقافة اللاعنف والحوار داخل المدرسة، مع إرساء هيكلية تتضمن الآليات الضرورية للتطبيق ومتابعتها. كما يؤكد مطّلعون على هذا الملف الشائك ضرورة تعزيز التشريعات وتعريف أطرافها، المتعلقة بالعنف في المدارس بما يضمن تطبيق القانون. وكان المركز الوطني للتجديد التربوي نشر قبل نحو عام ونصف العام نتائج دراسة تمحورت حول «العنف داخل المؤسسة التربوية» أعدها باحثون وعلماء اجتماع واختصاصيون في علم النفس التربوي وخبراء في الإعلام والتوجيه. وعالجت الدراسة مسائل عدة، منها «ظاهرة العنف في ضوء التحولات الإجتماعية وتداعياتها على الوسط المدرسي». كما أكد رئيس الرابطة التونسية للمواطنة شوقي الطبيب في شباط (فبراير) الماضي، إطلاق حملة توعية شاملة ضد ستّة أصناف من العنف الإجتماعي على غرار العنف في الملاعب والعنف في الوسط المدرسي والعنف الذي له علاقة بالأمن والعنف الإفتراضي. ويبدو العنف داخل المدارس أكثر من مقلق للعائلات التونسية، وتؤثر تبعاته النفسية والمادية سلباً على الدراسة عموماً. لذا، يتوقع أن تتخذ الحكومة إجراءات أكبر بالتعاون مع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالموضوع.