تمر العلاقات السعودية - التركية بمد وجزر، لكن المهتمين في الدولتين، يرجحون أن المرحلة الجديدة من العلاقة بين البلدين، ستشهد تحولاً خاصاً، يطمح كثيرون إلى بلوغه درجة «تكتل سياسي»، يرونه سيكون «رقماً صعباً في قضايا المنطقة المصيرية، التي ينظر إليها البلدان بعين واحدة». ومع أن العلاقات السعودية - التركية تجاوزت مراحل صعبة، منذ نشأت الدولة السعودية الأولى، إلا أن عودة الحكم الإسلامي إلى تركيا عبر «حزب العدالة والتنمية»، أعاد إلى العلاقة جذوتها، مثلما أحاطها بكثير من الجدل، بسبب موقف الإسلاميين الأتراك من جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة سعودياً. غير أن الصحف التركية، اتخذت من قمة ال20 التي عقدت في تركيا مناسبة، لرواية كواليس الخطوة، التي كانت مؤثرة في تحول الموقف السعودي من «عاتب» على الأتراك، إلى «حليف جديد»، يرى أردوغان العلاقة معه «شبه مقدسة»، بحسب تعبير صحف غربية. ويروي أحد المقربين من الزعيم التركي رجب طيب أردوغان لصحيفة صباح التركية، أنه قبيل أسبوع من وفاة الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، كان أردوغان يوشك أن يزور السعودية في مهمة «ترضية» للراحل، الذي كان غير مرتاح للموقف التركي من النظام المصري الجديد. إلا أن المنية سبقت الزعيم التركي، وعندما أبلغ بوفاة الملك قطع زيارته إلى الصومال، وشارك في جنازة الراحل، وعقد «قمة أخوية» مع خلفه الملك سلمان، تعمقت بعدها علاقة أنقرةوالرياض، خصوصاً بعد «عاصفة الحزم»، التي أبدت فيها تركيا مساندتها المملكة، وتطابق وجهات نظرهما نحو الأزمة في سورية، وكبح جماح المآرب الإيرانية في دول العمق العربية. ونشر مركز أبحاث «سيتا» الذي يتخذ من العاصمة التركية أنقرة مقراً له، دراسة عبّر من خلالها عن توجه الحكومة التركية إلى «توظيف التغيرات الداخلية التي تشهدها المملكة العربية السعودية لأجل دعم محاولات إصلاح العلاقات بين البلدين»، مشيراً إلى أن المملكة هي الدولة الإسلامية الثانية إلى جانب تركيا ضمن مجموعة ال20 «جي 20»، مؤكداً أن التغيرات التي شهدتها المملكة ستنعكس وتؤثر في السياسات الإقليمية والعالمية. وتوقعت الدراسة التي أعدها مركز «سيتا»، التابع لرئاسة الوزراء التركية، من الإدارة السعودية الجديدة أن يدفع تطابق وجهات النظر معها نحو سورية، إلى تعاون أكبر بينهما، في جانب دعم المعارضة المعتدلة بهدف إسقاط بشار الأسد. ومع أن الزيارة الملكية إلى تركيا تأتي في سياق قمة ال20، إلا أن الصحف التركية، خصوصاً الناطقة بالعربية المحسوبة على حزب العدالة والتنمية، ترى المشاركة السعودية ذات وقع خاص. وفي استفتاء أجرته «تركيا بوست»، حول ما إذا كان القارئ التركي والعربي، يؤيدان «حلفاً عربياً تركياً لمواجهة الأخطار الخارجية»، في إشارة إلى السعودية وتركيا في مواجهة إيران، رأى 93 في المئة من 9 آلاف مشارك في الاستفتاء، أن ذلك «مفيد» لمستقبل المنطقة. ونشرت تعليقاً لسياسي تركي على الاستفتاء أكد أنه «في ظل انعدام تأثير جامعة الدول العربية وكذلك منظمة التعاون الإسلامي، لا بد وأن تتنامى مثل هذه التحالفات لمواجهة المخاطر التي تواجه المنطقة، وكذلك مواجهة تنامي النفوذ الإيراني، ومجابهة الخطر الصهيوني، والمتمثل الآن في توسيع دائرة الاستيطان والاعتداء المتكرر على المسجد الأقصى من دون مراعاة لأية دولة من الدول العربية أو الإسلامية». ورأى أن «تركيا على رأس الدول المستقلة في إدارتها، تليها المملكة العربية السعودية ما يؤهلهما لقيادة مثل هذه التحالفات، ومن ثم ستنضم إليهما كل الدول التي ينبع قرارها من سلطتها الحاكمة، وننتظر مزيداً من التحالفات لصناعة ما يشبه الدولة الواحدة، كما هي الحال عليه في الاتحاد الأوروبي، وننتظر انضمام كل الدول التي تريد الخير للأمتين العربية والإسلامية». وكان مركز المسبار للدراسات، خصص آخر إصداراته (عدد 106) لتركيا، التي وقف طويلاً عند قرون من صعود وهبوط علاقاتها مع المملكة، إلا أنه خلص إلى ظهور ملامح «تحالف سعودي تركي جديد صاعد منذ تولي الملك سلمان السلطة، زادت معه المراكز الثقافة السعودية، يتوقع أن تلقي بظلالها على حجم العلاقات الثقافية والدينية بين البلدين، التي كان من بعض رمزيتها، الأمر الملكي بترجمة خطب الجمعة في الحرمين الشريفين إلى اللغة التركية، للمرة الأولى منذ قيام الدولة السعودية».